سيكون وياما سيكون في قادم الزمان ومقتبل العصر والأوان، محميّة ثقافية في بُقعةٍ من الأرض نورانية، نجمع فيها من يبلُغنا نبوغه ونتوسم تفرده ونجابته. سنختار الناشئين مِن الذكور والإناث، أولئك الذين نخشى أن تبيد وتُهدر قدراتهم دون توجيه، ومن قد تأخذهم العزة بذكائهم ولا يحسنون استثماره. ستُسن في ذلك المعايير وتُفرض عليهم المحاذير ولكن حذارِ من العبث بأسوار المحمية أو محاولة تجاوزها، فمن يدخلها لن يُسمح له بمغادرتها حتى يكتمل نصاب علمه ويُمنح إجازة المغادرة. قد يكون ظاهرها صلداً بيد أن باطنها حالم، ستكون بمثابة المعتكف والمدرسة والبيت، فيها سيلتقون بالفلاسفة والمفكرين والمعلمين والمطورين. سيتلقون فيها سائر العلوم في شتى الفنون، وسيُهيأ لهم بيئة استثنائية تُيسر لهم استحضار فكرهم وتدوين نتاجهم الإبداعي، هي ليست على غرار مدينة أفلاطون الفاضلة بل أشبه بالمدرسة الداخلية لصقل المواهب. سنوفر فيها سُبل رغد العيش وما يضمنه لبقية حياته، كي لا يبقى في ذهن أحد المنتسبين هاجس الكسب والعمل وما قد يقلل من فرصة إبداعه أو أن يتخذ الكتابة مهنة للتكسب لاحقًا فيعمد لخفض جودة نتاجه حتى لا يبور حرفه ويكسد. هي محمية يعتزل فيها المبدعون عن المعترك البشري الهادر وسخافاته، وخلال تلك العزلة سيسمح لهم بين حينٍ وآخر بالانخراط خارجها حتى لا تصيبهم حالة انفصال عن الواقع الذي سيعودون إليه لا محالة وحتى يتسنى لهم لمس ما أُحدث فيهم من فرق عمّا كانوا عليه سابقًا، وذلك بقياس مدى الوعي والعمق لديهم مقارنة بما سيواجهونه من سطحية خارج المعتكف. وما أن يعودوا سيناقشون كل ما واجهوه مع أساتذتهم وبين بعضهم البعض وسيتوصلون بناءً على ذلك إلى نظرياتٍ جديدة وفلسفاتٍ عميقة وتفسيرات لأسباب هذه السطحية والبوهيمية المتفشية خارج أسوار المحمية. سيقرأون الكثير ويتعلمون بأن عليهم أن يقرأوا أضعاف ما يكتبون وبأن العلم لا نهاية له مهما طالهم من مبالغ النجاح والتألق. محميتي هذه قد تكون فكرة وُلدت في ذهني ذات خوف على مستقبل الكثير من الطاقات الفكرية التي يزخر بها جيل الشباب، وقد تكون هرطقات يقظة أو أضغاث أحلام لكنها ستبقى قيد الأمنيات المُحتملة. ** ** حنان القعود