سمية عبدالله الأمة التي تستورد كل معطيات الحضارة ولا تثق بنتاج أبنائها هي بالتأكيد أمة مفلسة. في وطني حضارة عملاقة لكنها موؤودة، كثيراً ما قالت لي أمي "تمر قصرانا حلو"، وكثيراً ما رددت جدتي "عنزنا ما تبي غير تيس الجيران"، لا تحسبوا أن مثل تلك الأمثال جاءت اعتباطاً، أو أنها لا تنطبق على شيء سوى العنز والتمر! القدماء لم يكن لديهم من سبيل للاعتراض على مفاهيم سائدة يرونها خاطئة سوى السخرية، وحدها السخرية كانت وسيلتهم، وكانت ناجعة إلى حدٍ ما. اسمحوا لي أن أحكي لكم موقفاً مربيا، أفقدني الثقة بمجتمعنا المعرفي، قبيل أسابيع، قدمت محتوى علميا، وحاولت جاهدة ألا أكثر من المحتوى المقتبس من المراجع، لأني أردت أن تظهر هويتي من خلال كلماتي، وأردت أن يكون المحتوى من إنتاجي لا نسخاً ولصقاً، وفوجئت بأكثر من أستاذ ينتقد تلك الفقرات التي لم توثق، ويقول - بلهجة توحي بأن صاحبها يمتلك الحق المطلق- أين المرجع؟! علمياً الفقرات التي لم توثق يعني أن الباحث كتبها، وسوى ذلك يعد سرقة علمية، وهناك برمجيات تشترى من قبل الجامعات تساعد في الكشف عن السرقات الأدبية. أستاذي الكريم، صاحب الأمانة العلمية، حري بك أن تأخذ بيد طلابك، فالعلم عطاء قبل أن يكون أخذا، لم تريد من طلابك أن يكونوا نسخة مقولبة مكررة؟! ما قيمة وجودك في منصبك إن لم تثق بنتاج طلابك؟! لم تريدنا أن نظل نقتبس من أفلاطون؟ قد تكون لدي رؤية أبعد من رؤية أفلاطون، قد يناسب أفلاطون ما لا يناسبنا، قد يكون لدي ما أقوله يفوق ما قاله أفلاطون أو غيره. أفلاطون كتب لزمانه فدعونا نكتب لزماننا. وبالنظر إلى جميع أفالطة الأرض، لم يكونوا يوماً أعلم من سواهم، إلا أن المجتمع وثق بهم، ومنحهم فرصة إنتاج حضارتهم. أستاذي الكريم، فلتأخذ بأيدينا، ومن دون أن نتكاتف ستظل المعرفة لدينا ناشئة.