عندما نتفق بأن الأدب (مرآة) الشعوب، وذاكرتها الإبداعية، فلن نختلف كثيراً بأننا اليوم أمام حالة من العبث بالذاكرة الثقافية (المنجز الأدبي)، وصورة من صور الاستسهال لذائقة (مطلقة)، فلا نظرية نقدية مفسرة، ولا منهجاً موجهاً، ولا أدوات قارئة.. ليغيب مع كل هذا الحد «الأدنى» من النقد الانطباعي.. إذ لا صوت يعلو فوق كل صوت، سوى الانطباع المجرد من أدنى درجات (الحس) باللغة، وبدهيات (الإحساس) بأدب النص، شكلاً كان ذلك أو مضموناً، ما جعل من سهولة النشر، وتعدد وسائط الكتابة وتقديم الذات في صور أشبه ما تكون ب«الجهل المركب»، عبر وسائل التواصل المجتمعي، تشكل ظاهرة «نقاد الظل»، التي تعد إحدى ظواهر آفات لنقد في مشهدنا المحلي. كما وصف عدد من النقاد في حديثهم ل«المجلة الثقافية»، عن هذه الظاهرة بأنها شكل من أشكال التطفل على الكتابة الأدبية، وعلى (قمة) الكتابة بوصفها نقداً، له امتداداته العريقة في أدبنا العربي، وله فنونه ومدارسه، الأمر الذي جعل من هذه الممارسات الكتابية شكلاً من أشكال العبث (المركب)، بما يجسده من إفلاس أصحابه، ولما يعكسه من الزيف في الكلمة والتضليل الفكرة، وسطحية التناول، إلى جانب رداءة العرض، وكيل المدائح الموجهة ل(الكاتبات) بشكل بيّن وفج، قبل أن يكون ذائقة قرائية تحترم الكاتب والكتاب والقارئ. القحطاني: صراع ألقاب !! يقول الدكتور سلطان بن سعد القحطاني: النقد علم عرف عند العرب قبل أن تعرفه الأمم الأخرى، وهو مشتق من الفعل(نقد)، وهو العد بعناية فائقة، ومنه النقود، أيّ الدراهم، لأنها تعد بعناية لا تقبل الخطأ في الزيادة أو النقص، فكان العربي يسمع الكلمة، سواء كانت شعراً أو نثراً، فينقدها بحاسته الفنية، ولا يسمح لكل واحد منهم بنقد نص أو مقولة ما لم يكن معروفاً بحاسته النقدية، حتى أصبح علماً يدرس في أرقى الجامعات في العالم. ومصدره العلمي الواقعية العلمية والذوق والتخصص، وهو يتفرع إلى فروع كثيرة لا داعي لتعدادها في هذه المشاركة العجلاء. ومضى القحطاني في حديثه قائلاً: وما سألتم عنه في هذا الزمن من تطفل على هذا العلم الفني لا يرقى كثير منه إلى النقد الحقيقي، فهو خواطر وآراء من متطفلين على النقد، كما تطفلوا على الرواية والشعر، وغير ذلك، ورفع كثير من المتطفلين نصوصاً رديئة، وسموها رواية، وهي ليست كذلك!، فلا علم في لغة النص، ولا ذوق في قراءته ولا تحليل محتواه، فهي خواطر سموها نقداً كما سموا القصة الطويلة رواية!. وكل ذلك ظهر في زمن غاب فيه الناقد (الحصيف) والمتلقي الذواقة. وأقول في ختام هذه الكلمة الموجزة: دعوا عنكم تبجيل الأسماء الرنانة! وأكثروا من القراءة النقدية الواعية لأستاذة النقد، ولا تنخدعوا بالأسماء والألقاب وتغلبوها على النصوص والذوق بنوعيه، العام والخاص، ولا تأخذوا النصوص وفروع الأدب مأخذ صرعات الموضات. الرفاعي: انطباعية ذائقة !! الناقد الأستاذ سعد الرفاعي، أعاد هذه الظاهرة إلى مكونها ضمن ارتباط الكلمة الأدبية شعراً كانت أم نثراً بالحس الإنساني وذائقته الأدبية، موضحاً على الجانب الآخر (النقدي)، أن منطلقاته ذات مسارات مختلفة، فمن الناقد من ينطلق من بعد النظرية، بوصفها مدخلاً لدراسة النصوص الإبداعية، فيما ينطلق نقاد آخرون مما يسمى ب(المنهج التكاملي)، موضحاً أن هذا المنهج من المناهج شيوعاً في مشهدنا النقدي، بوصفه مجالا تتسع فيه قابلية قراءة النص وسعة أفق القبول به، استناداً إلى تداخل الأجناس الأدبية، مردفا قوله: بينما نجد هناك من يملك الأدوات النقدية والتعاطي مع النظرية النقدية، إلا أنه في الوقت ذاته يميل إلى تحكيم ذائقته الانطباعية تجاه النصوص الأدبية، ما يجعل من هذه الذائقة تتخذ أكثر من بعد، إذا ما ربطناها بالمنهجيات النقدية المتعارف عليها. وأضاف الرفاعي: حتى على المستوى الأكاديمي، لا يمكن اعتبار أن كل أستاذ جامعي في علم من علوم اللغة قادراً على أن يكون ناقداً! وقي الوقت ذاته لا يمكن لنا -أيضاً- أن نغفل (الانطباعية) في قراءة النصوص الإبداعية لدى آخرين، ما يجعلني هنا أفضل الوقوف إلى جانب أصحاب هذه الانطباعات والذائقة القرائية، في دور (إيجابي)، يتكامل معهم ويتفاعل مع ميولهم الأدبية، مع أن لدينا من الشواهد ما يكفي بأن هناك من لا يمتلك الحد الأدنى من كتابة النص الأدبي شعراً كان أم سرداً، فضلاً عن قراءة النص، إلا أنني مع وجود هذه الفئات ما بين الكتابة (الأدبية)، والدراسة (النقدية)، فعلينا التفاعل الإيجابي، بما يتكامل مع طرفي المنجز الأدبي مبدعاً وناقداً، في تكاملية ترتقي بإنتاج النص كتابة ودراسة. الهلالي: متسولو الكتابة !! أما الأكاديمي بجامعة الطائف الدكتور أحمد الهلالي، فقد وصف ظاهرة «نقاد الظل»، قائلاً: النقد بعامة يرتكز على الفطنة وسلامة الذوق والنزاهة، ومنه النقد الأدبي المرتبط ارتباطاً وثيقا بالنصوص، وهذا باب عصيّ ولوجه إلا على النقاد الحقيقيين، وعلم لا يتأتى لكل قاصد إن لم يتحل بالصفات المذكورة، مضافا إليها الصبر وسعة الاطلاع، أما من نحن بصددهم ممن سماهم التحقيق (نقاد الظل) فهؤلاء لا أعدهم نقادا، ولا يستحقون المسمى، لأنهم ليسوا إلا مرتزقة، يعرفون قواعد الفنون الأدبية والكتابة لكنها مجردة لا يرفدها الذوق ولا تخالطها الفطنة، ويفتقرون إلى حس الناقد وأدواته العميقة، وتنتفي عنهم النزاهة لما لبعضهم من أغراض مشبوهة خاصة حين نجد بعضهم لا يعلق إلا على نصوص الأديبات والمثقفات، أو العكس، بقراءات سطحية جلها عبارات امتداح وثناءات لا محل لها من الإعراب. وعن دور النقاد «الحقيقيين»، تجاه ما يطرأ من ظواهر تسيء بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى الحركة الأدبية عامة، وإلى الحركة النقدية في مشهدنا الثقافي خاصة، قال الهلالي: هذه الفئة من المرتزقة يجب أن يعريها (النقد الحقيقي)، وأن يكون لها الإعلام بالمرصاد؛ لأنهم يفسدون الذائقة، ويخدعون الأدباء المبتدئين، ويبيعون الوهم، ولا أدل على ذلك من نتاجات لم تنضج لشبان وشابات تطالعنا بها معارض الكتب، بعضها مصدر بمقدمة لناقد مرتزق!.