آمنة الحربي المبدع ناقد في أعماقه وهذا مادفع بعض المبدعين لنقد النصوص الأدبية رغم أنه لا يمتلك أدوات الناقد الحقيقية ما يجعله مفتقرا لآلية النقد ويعجز عن مقاربة النصوص بمناهج ورؤى نقدية، ومهما يمنح المبدع لذلك النص من الدفء، ويضفي عليه من مسحة جمالية بفضل تناغمه مع النص وإحساسه العالي به، إلا أنه يعجز عن إقصاء ذاته المبدعة خارج نطاق النص الأدبي فتجده يثني على ما يأسره من النصوص بعيدا عن مقاييس فكرية وفلسفية واضحة ويضل بعيدا عن المنهجية الصحيحة للنقد التي تتطلب من الناقد أن يكون موضوعيا وبعيدا عن الذاتية. فيما اعتبر البعض أن الركون للمدارس النقدية قد يكبل الناقد، وينتج نصا باردا، ورهينا للأسس التقليدية. وهنالك القليل ممن جمع بين الإبداع والنقد بجدارة كالشاعر الانجليزي اليوت، وطه حسين ، وعباس العقاد.. هدى الدغفق: مشكلتنا في التصنيف.. والمبدع حينما يمارس النقد يتفوق على الناقد نقد المبدع جدلية مثيرة، أيدها البعض ورفضها الآخرون لأسباب مختلفة.. وحول ذلك الجدل تتضح الرؤية، حيث يقول الكاتب يوسف المحيميد: أعتقد أن هذا الأمر شائك؛ لأن المبدع لا يستطيع الفكاك من ذائقته غالباً، وقد يتمحور كثيرا حول هذه الذائقة والمنطقة الإبداعية التي يعشقها، فيصبح متحاملاً على ما يخرج عن فلك هذه الذائقة، ومتضامناً مع ما يسير معها، وقد يوجد مبدع وله مكانته العلمية كناقد يمتلك منهجاً نقدياً، إلا أنه أحياناً يطغى هذا الجانب الأكاديمي والنظري على الجانب الإبداعي الحرّ لديه، فيقوم بتكبيله وتقييد حرّية التفكير والابتكار، لأن النظرية النقدية أحياناً تجعل الناقد يؤمن بها إلى الحد الذي يجعله يبحث عن النصوص التي تتسق مع مفهومها وافتراضاتها، وتناسب مقاسها، فيخسر الناقد الكثير من فرص إعادة تشكيل نظرية بناء على النص، لأن النص الإبداعي - في نظري - يسبق النص النقدي التطبيقي، ويضيف المحيميد أن هناك حالات نادرة في الوطن العربي، حدث فيها هذا التناغم بين الحس النقدي والحس الإبداعي، ولعل أبرز هؤلاء النقاد المبدعين من المغرب صدوق نور الدين ومحمد برادة وإبراهيم الحجري. الجميلي: النزوع إلى القوالب النقدية الأكاديمية أفسد النص ومن مصر إدوار الخراط، ومن العراق صلاح نيازي، ومن السعودية محمد الحرز وعلي الشدوي ومعجب الزهراني وغيرهم. مؤكدا أنه حتى المبدع فحسب، الذي يمتلك وعياً نقدياً اكتسبه من خلال البحث والقراءة، دونما الشهادات الدراسية، والخضوع المكثف للنظريات، قد يتحرر من هيمنة الذائقة وسطوتها، ويصبح ناقداً حراً منفتحاً على جميع مناطق الكتابة، من دون التعصب للجنس، أو النمط، والأسلوب الكتابي الذي يحبه ويؤمن فيه، وهناك نماذج كثيرة في الوطن العربي يصعب حصرها. ويرى الأكاديمي والكاتب في جريدة المدينة عبدالله الجميلي أن ممارسة بعض المبدعين لنقد النصوص دون امتلاكهم الأدوات اللازمة، ومن دون انتمائهم لمدارس نقدية معينة أدى إلى التفاوت الواضح في تحليل النصوص الإبداعية؛ لأن التعاطي معها تصحبه الانطباعية والعفوية والتلقائية، لكن تختفي فيه الحيادية. معتبرا أن الناقد الأصيل هو من يلمس النص الإبداعي ويقرأ مفرداته باعتباره بنية فنية متماسكة، لابد من الأدوات المنهجية لتفكيكها، وفهم منطق انسجامها، برؤية واضحة تستخدم مقاييس أنتجتها مدارس نقدية له أطروحاته ومقاييسها الخاصة ويغلب عليها الصورة الأكاديمية النمطية! ويضيف أن الملاحظ أن هناك تحولات في ميدان الأدب العربي فإذا كانت رؤية المبدع والناقد - معا - واضحة تمام الوضوح خلال مرحلة السبعينات والثمانينات، لوضوح المشارب الفكرية المعتمدة، والمدارس الأدبية والنقدية الملموسة، إلا أنه في عصر اليوم سوف يجد المثقف العربي - مبدعاً وناقداً أدبياً - نفسه يساكن واقعا، غير ذلك الواقع الذي يعرفه على مستوى النظرية النقدية، كما يقول الأستاذ سعيد يقطين في كتابه «الأدب والمؤسسة: نحو ممارسة أدبية جديدة». وهذا يترتب عليه هزة عنيفة على مستوى الرؤية الإبداعية والنقدية على السواء، وبذلك يزعزع التصورات والمدارس السائدة في مجال الدراسات والممارسة النقدية. لكن في بعض الأحيان يؤدي نزوع النقد إلى القوالب النقدية الأكاديمية الحرفية الجاهزة، إلى إفساد النص، ووجود فجوة بينه وبين القارئ، والقيام بزرع تخوم وهمية بين العمل الأدبي والتأمل النقدي. ولعل الحلّ الوسط الذي تكتمل به منظومة النقد بحسب الجميلي إذا تزواج فيها التأصيل النقدي مع الانجذاب العاطفي تجاه النص فهنا ربما تكتمل ملامح الصورة وتحصل المقاربة بين لغة النقد ومنهجيته وروح الصلة العاطفية بالمفردات والنصوص! الحربي: العاطفة خلقت فوضوي النقد وجعلته حائرًا بين الذاتي والموضوعي وفي السياق ذاته يتحدث الكاتب في جريدة عكاظ خلف الحربي مؤكدا بأن نقد المبدع للعمل الأدبي لابد أن يتجلى من خلال أسس معينة، بعيدا عن الانطباعية والذاتية وعندما يكون المبدع مفتقدا لحرفية الناقد ولا يملك أدواته الحقيقية للنقد، ويفتقر لآلية مقاربة النصوص بمناهج ورؤى نقدية. فإن العاطفة تأخذ حيزا من نقده فيثني على ما يأسره من النصوص بعيدا عن المنهجية النقدية الصحيحة، ما يجعل من نقده فوضى منفلتة لا تحكمها أسس ولا معايير نقدية محددة. وتجده حائرا حول طبيعة ما هو ذاتي وموضوعي، وما تتطلبه منهجية النقد الصحيح من الموضوعية. ويشدد الحربي على ضرورة تنحي المبدع عن المجال النقدي مؤكدا بأن الناقد المبدع سيظل حبيسا لرؤاه الإبداعية، ومنغمسا في نموذجه الإبداعي مهما حاول التنائي عن ذلك مما يترتب عليه أن تظل النصوص خاضعة لمقياسه الذاتي. ويضيف مبديا تعجبه ممن يتنقلون بين الإبداع والنقد، لافتا إلى أن ذلك قد يؤدي إلى تشويش ذهن المتلقي فيخلط بين إبداع الناقد ونقده. أما الكاتبة والشاعرة هدى الدغفق فتجيبنا متسائلة عن ماهية أدوات الناقد التي يشير إليها المحور هنا: ونحن نعاصر الآن ثورة النقد الثقافي وما بعد النقد، موضحة أن الانترنت والعولمة لم تدع أداة لأحد وكل الأدوات حق للجميع. وكل يدير فكره بما يرى أنه يعبر عنه وهو حينذاك لايلزم بما يراه أحدا. وتقول بأن مشكلتنا تكمن في التصنيف في كل شيء، وهذا الأمر يجعلنا لانقبل بتجاوب النصوص مع بعضها، فالناقد حتى وإن استخدام مهاراته النقدية فنقده يظل ناقصا لتجاوزه المنهجية التحليلية الدقيقة لشفرة الإبداع، وربما أن المبدع حينما يمارس النقد (الانطباعي بشكل خاص) يتفوق على الناقد، وفي الثورة الحالية القائمة بين الإبداع وسواه ومع ما أحدثته العولمة من تمازج واتحاد بين الفنون وجماليات الفكر بحيث يكون النسق عاما مخصوصا بالرؤية لا بالمنهج في حالة من هذا النمط ينبغي أن نتحرر من الفكرة السائدة للتسميات بقولنا هذا ناقد فحسب، هذا مبدع فحسب، لأننا في المقابل ينبغي أن نحاسب بعض النقاد الذين كتبوا نصوصا إبداعية، أو الذين أضافوا إلى مهارتهم النقدية مهارة شعرية ومقالية رفيعة المستوى، وهذه مسألة توحي بعدم الحيادية في احترام الفكرة الأخرى، فليس هناك رأي قطعي لأن النقد ليس كلاما مقدسا، كما أن الإبداع ليس كذلك إذن ولا مشكلة في التجريب.. أم أننا نحاول البحث عن إشكاليات لنتصادم حولها. وتؤكد الدغفق أنها من الكاتبات اللاتي مارسن النقد الانطباعي واستمتعن به، وأفادها ذلك الأمر في إبداعها عند الحوار مع شخصية إبداعية أو فكرية حول مشروعها.