تحتفلُ الأمم والشعوب برموزها ومبدعيها, وتعتبرهم من عناوين حيويتها وحقيقة تطلعاتها. هذه مسألة جوهرية. ولكن ماهي معايير الرمز؟. لعل الإمكانات الذاتية وأصالة الموهبة هي الأساس, ثم التأهيل الراسخ, وسعة الاطلاع والمتابعة, والتطور المضطرد, والانتظام والاستمرارية, والحضور الدائم, والعطاء المتنوع, ورحابة دوائر الانتشار والتأثير. في هذا السياق يحضر اسم الدكتور سعد البازعي باعتباره واحداً من أبرز رموزنا وأكثرهم نتاجاً وفاعلية. وأعترف سلفاً أنني أكتب تحت ضغط الشعور بالتقصير المؤكد, ولذلك سأُعَبِّر في حدود تقصيري, وبما لا يرقى إلى قامة المحتفى به, أو يحيط بما حققه في مسيرته الحافلة؛ فماذا عساي أن أكتب في حيز ضئيل, عن قامة معرفية وفكرية ونقدية وثقافية سامقة, ليس على المستوى المحلي فحسب, بل على المستوى العربي الكبير. تشرفت بمعرفة الدكتور سعد البازعي مبكراً, منذ أيام الدراسة الجامعية, وأول معلومة يمكن تدوينها هنا, أنه دائماً وفي كل المراحل, كان ولا يزال ذلك الإنسان الراقي المثقف الطموح الخلوق المحب للجميع, والمراعي في كل الأحوال لحقائق الواقع واحترام السمت الاجتماعي العام, وأشهد أن الزمن ما زاد تلك السمات إلا عمقاً ورسوخاً وتأصيلاً على مدى كل النجاحات التي حققها؛ معيداً ومبتعثاً وعضواً لهيئة التدريس بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة الملك سعود, حتى حصوله على درجة الاستاذية, ثم عضويته في مجلس الشورى. وهنا لا بد من الوقوف عند جزئية هامة, وهي أن الدكتور سعد شكل ظاهرة استثنائية, وإن لم تكن فردية عموماً, في انفتاح منسوبي الجامعة وأعضاء مجلس الشورى على المجتمع, بكل هذا القدر من القبول والعطاء المشهود والمؤثر, وخير مثال على ذلك نشر الوعي والمعرفة بين أوساط الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي, وتبسيطها لهم والتبسط معهم, وهي مهمة ليست باليسيرة على كثير من الأدباء والمثقفين الكبار. وإذا كانت الناحية الشخصية والأخلاق الذاتية, لا يعرفها من جذورها إلا الدائرة الضيقة من أصدقائه المقربين, فإن ما يظهر لعموم الناس هو الأشهر والأبقى, وهو إنتاجه العلمي الفكري والأدبي والنقدي والثقافي, بداية من ثقافة الصحراء, وإحالات القصيدة, ودليل الناقد الأدبي(بالاشتراك), وأبواب القصيدة, واستقبال الآخر, وشرفات للرؤية, والمكون اليهودي في الحضارة الغربية, والاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف, وجدل التجديد, وسرد المدن, وقلق المعرفة, ولغات الشعر, ومواجهات ثقافية, ومشاغل النص واشتغال القراءة, وهموم العقل, ومواجهات السلطة, والمسلمون في التاريخ الأمريكي (ترجمة), وجدل العولمة عن نظرية المعرفة وسياساتها (ترجمة). وكلها وسواها ناقشت ببصيرة ثاقبة قضايا هامة ومفصلية فكرية ومعرفية وجمالية, وشكلت دائرة واسعة عبرت عن أصالة الموهبة, وكثافة التأهيل, وسعة الاطلاع, والدأب العلمي الخلاق, والقدرة على الربط بين الأفكار الكبرى والأمثلة المعبرة من الواقع قديماً وحديثاً, وتمثلات كل ذلك في الإبداع الأدبي العربي والغربي, بنصوص يجري اختيارها بقدر عال من العناية والمهارة. جانب آخر لا يقل أهمية عن المؤلفات, بل لعله النهر العريض التي تعشوشب المؤلفات على ضفافه, وهو الحضور الدائم والفاعل في جولات واسعة من النشاطات المستمرة, لا يكاد المتابع قادراً على الإحاطة بكل جوانبها, تأسيساً ورئاسة وإدارة ومشاركة فاعلة, ولا يتسع المقام والمساحة لسرد تفاصيلها, أو لتعداد مناسبات التكريم والإشادات والجوائز التي حصل عليها. وأخيراً .. أعود إلى عنوان هذه المشاركة (نموذج الرمز) وأقول: حين تجد الفكرة أو الحالة عنوانها بسهولة, فمعناه أنها تبلورت وتأكدت بشكل نهائي. ** **