الحملة الإعلامية الشرسة والمغرضة ضد المملكة قادتها وسائل إعلام تقليدية، سواء التركية منها أو الأمريكية. واشنطن بوست -مثلاً- كانت في المقدمة وكذلك فضائية السي إن إن وكذلك النيويورك تايمز ولم تتصدر المشهد السوشل ميديا التي وضعها كثيرون أهم من الصحف الورقية والفضائيات. قطر كدولة اشترت جريدة الواشنطن بوست، أو بلغة أدق أغلب أسهمها، واستطاعت أن توظفها ضد المملكة، وهذه الجريدة (الورقية) هي التي كانت أخبارها، وتقاريرها، ومقالات صحفييها تموّل بشكل أساسي الحملة الأخيرة ضدنا، فإذا كانت الصحافة التقليدية لم يعد لها حضور ولا قيمة في صناعة الوعي فكيف كانت هذه الجريدة مصدر تغذية رئيساً لمن يبحثون عن الخبر ويعيدون نشره، سواء في تويتر أو الفضائيات؟. نعم السوشل ميديا هي من أهم أسباب انتشار (الشعبوية)، لكنها لا تملك من المصداقية والمهنية وتحليل المحتوى والتأثير ما تملكه وسائل الإعلام التقليدية.. صحيح أن تويتر أصبح رافداً مهماً للأخبار، غير أن التحليل والتحقيق والتتبع وقراءة مآلات هذه الأخبار ما زالت حتى الآن لدى الصحافة والفضائيات التلفزيونية. ولعل ما أقوله في هذه العجالة تثبته الأحداث الأخيرة التي تمثلت في هذه الهجمة الشرسة والممنهجة لشيطنة المملكة ومسؤوليها. نعم نحن الأقوى في تويتر، واستطعنا من خلاله أن نسحق معارضينا، كما تجلت في تغريداته بوضوح مدى وطنية السعوديين، والتفافهم حول قيادتهم.. غير أن ما يدور في هذه الساحات هو بمثابة الرافد، أم النهر فما زال، وأظن أنه سيبقى، في وسائل الإعلام التقليدية. حادثة اختفاء جمال خاشقجي ستنتهي طال الزمان أو قصر، غير أن أهم درسين جوهريين تعلمناهما من هذه القضية أولهما: أن قطر متمثلة في قيادتها الحالية دولة عدوة، همها وغاية ما تصبو إليه، وتدفع في سبيله الأموال، وتوظف لأجله ما تملكه من إمكانات وعلاقات، يتمحور في هزّ كيان المملكة وأمنها واستقرارها، وتشويه صورتها لدى شعوب العالم. الدرس الثاني أن المملكة بتاريخها ومكانتها السياسية والدبلوماسية والدينية والجغرافية والاقتصادية لديها من القوة والإمكانات ما لا تملكه أيّ دولة في المنطقة على الإطلاق، ناهيك عن دويلة قطر المجهرية، إلا أن هذه القدرات لم توظف بالشكل المطلوب إعلامياً، الأمر الذي جعل أعداءنا القطريين المتربصين بنا في موقع أفضل إعلامياً، رغم أننا الأقوى والأصدق، إلا أننا لم نوظف قوتنا كما يجب أن يكون التوظيف، بالشكل الذي يتصدى لتلك الحملات المغرضة ويقلل من تأثيرها وانعكاساتها دوليّاً علينا. هذان الدرسان يجب أن نتحول بعد خروجنا من الأزمة إلى رؤية إعلامية جديدة، تكون بمثابة خارطة طريق لنا في المستقبل. والإعلام اليوم هو بمثابة خط الدفاع الأول لكل دول العالم، إهماله وعدم العناية به يُضعف أولاً قدراتنا الدفاعية؛ خذ -مثلاً- كيف كانت الحرب الباردة التي دارت بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي في نهايات القرن الماضي، هذه الحرب انتصرت فيها أمريكا، وهزمت الاتحاد السوفييتي شر هزيمة، وهي لم تطلق رصاصة واحدة، لكنها استطاعت من خلال الحرب الإعلامية الممنهجة على موسكو، وبالكلمة والصورة واختلاق الأخبار، والتعامل معها بمهنية، أن تجعل نلك الدولة العظمى تنهار وتتفكك، رغم امتلاكها الرادع النووي، إلا أن هذا الرادع لم يستطع أن يصمد أمام الإعلام الأمريكي الذي غزا شعوب ما كان يُسمى حينها المعسكر الشرقي الذي كان السوفييت يتحكمون فيه. أهمل الاتحاد السوفييتي الإعلام فكان عاملاً رئيساً من عوامل انهياره، وهذا ما يجب أن نضعه نصب أعيننا في المستقبل. إلى اللقاء،،،