نواصل الحديث عن كتاب بوب وودوودر عن الرئيس دونالد ترمب، والذي رسم من خلاله صورة فوضوية لبيئة العمل في البيت الأبيض، وصفها رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض السابق، رينيس بريبس، بأنها: «تجعلك تشعر بأنك بين وحوش مفترسة.. إذ يستحيل أن تضع أسدا وحصانا وقطا وفأرا في مكان واحد ودون حواجز، ثم تتوقع سلاما في المكان!»، والواقع هو أن بيئة العمل في البيت الأبيض، التي وصفها وودوورد، سواء في المكتب البيضاوي، أو في الغرفة الخضراء، أو في غرفة العمليات، وغيرها، تجعلك، إن صح وصف وودوورد، تستشعر الفوضى، ولكن لا يعني ذلك أن الأعمال لا تنجز، بل يعني أن المحيطين بترمب، يتنافسون على أدوار ريادية، وفي سبيل ذلك، يصطدمون ببعضهم البعض، فالكل يطمح في أن يكون له دور في إدارة شؤون أمريكا والعالم! يذكر وودوورد أن الجنرال مكماستر، مستشار الأمن القومي السابق، وهو من أهم المواقع في الإدارة الأمريكية، كان يشتكي على الدوام من تهميش وزيري الخارجية والدفاع له، أي ريكس تيلرسون والجنرال جيمز ماتس، ويطلق عليهم لقب «الفريق الثنائي»، وغني عن القول إنه يجب أن يكون هناك تناغم بين هؤلاء الثلاثة، وأن يكون مستشار الأمن القومي على اطلاع تام على كل التفاصيل السياسية والعسكرية، ويسرد وودوورد مواقف كثيرة، يتذمر فيها مكماستر من التهميش، دون أن يلفت ذلك نظر ترمب، الذي لا يقتنع برأي أحد على أي حال، ويحاول أن يفرض رؤيته على كل أركان إدارته، عدا وزير الدفاع، الجنرال ماتيس، هادئ الطباع، الذي يملك مهارة التعامل مع ترمب، ويعرف متى يتحدث وماذا يقول، وحسب وصف وودوورد، فإن ترمب يكن احتراما خاصا لماتيس، ويستمع له. لم أستغرب وصف وودوورد لعلاقة ترمب بماتيس، الجنرال المميز، الذي عزله أوباما سابقا، لاختلافه معه حول التعامل مع إيران، لأن ترمب ربما يخشى أن يغضب الجنرال ويرحل، ولا أظن ترمب سيتحمل أمرا كهذا، فالجنرال ماتيس ليس مايكل فلين، ولا ريكس تيلرسون، ولا مكماستر، وغيرهم ممن عزلهم ترمب، أو رحلوا دون معارضة منه، فالجنرال ماتيس لديه تاريخ عسكري مميز، وسمعة طيبة، حتى لدى الديمقراطيين، ألد خصوم ترمب، إذ أن مجلس الشيوخ صادق على تعيينه بشبه إجماع، على عكس معظم مرشحي ترمب، وعلاوة على ذلك، فإن ترمب، وعندما قابل الجنرال ماتيس، قبل ترشيحه لوزارة الدفاع، انبهر بشخصيته، وأشاد به كثيرا، وقال إنه الرجل الذي أبحث عنه، وهذا كله قد يفسر احترام ترمب له، لأن احترامه لهذا الجنرال يخدمه هو شخصيا في نهاية المطاف، وسيتواصل الحديث!