كلنا يعلم أن الخطابات المنتجة حول المرأة عموماً، والكاتبة خصوصاً، في الثقافة العربية هي خطابات في مجملها ذكورية متحيزة بشكل أو بآخر ومحكومة ضمنيا بذهنية المركزية /الرجل والهامش/ المرأة. وهذا الأمر جاء امتداداً للتمييز بين الجنسين على مستوى بنية اللغة ودلالاتها التي تميز بين المذكر والمؤنث في مستويات مختلفة. وقد تناول ذلك بالتفصيل الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه (المرأة واللغة)، حيث يؤكد أن «هذه حالة ثقافية تاريخية عامة تعرضت فيها المرأة للاستشهاد الطويل وسرق منها حقها الفطري الطبيعي، وعاشت معلقة على هامش الثقافة». وهكذا ظلت المرأة زمناً طويلاً على هامش الثقافة ولم يدون لنا التاريخ إلا نتفاً بسيطة من شعر الخنساء، وجليلة بنت مرة، وهند بنت عتبة، وليلى العامرية، ورابعة العدوية وولادة بنت المستكفي وغيرهن.. ولكن لم يُحفظ شعرهن كما حُفظ شعر الشعراء الرجال. وليس لذلك تفسير مقنع إلا القمع وسطوة المجتمع الذكوري الذي تمثل قول الفرزدق: «إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبحوها» قالها في شاعرة من عصره حتى غدا مثلاً سائراً يروى ويحتذى. ورغم أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها وأعلى من شأنها إلا أن الخطاب العنصري الذي تحيز ضد المرأة وعاد لوأدها معنوياً في عصور الانحطاط، سعى لطمس عبارة «النساء شقائق الرجال»، ليعلن أن جنس النساء «ناقصات عقل ودين». وبعد زمن من التغييب المتعمد دخلت المرأة عالم الأدب شاعرة، وكاتبة، وقارئة/ناقدة، وصاحبة صالون أدبي تديره بمهارة. وعندها أصبحت في مواجهة هذا الخطاب الذكوري مباشرة تدين التهميش وتعالج قضاياها، وهي بهذا «دخلت إلى المحظور ومدت يدها إلى اللفظ الفحل والقلم المذكر»، كما يقول الدكتور الغذامي.. فكيف كان الموقف من تلك الكاتبة العربية؟. تبحث هذه المقالة في كيفية تأثير السياقات الاجتماعية والثقافية على موقف القراء من كتابات المرأة العربية. وهي تعتمد على مفهوم «المجتمعات التفسيرية» لستانلي فيش، والذي يجادل بأن التفسير هو ممارسة مؤسسية، وبالتالي فإن القراء يمتلكون افتراضات مسبقة مشتركة تقيد إستراتيجياتهم التفسيرية (فيش، 1980). فليس من المستغرب إذن أن تستند بعض الردود على بعض الكاتبات العربيات إلى الاعتقاد الأيديولوجي بأن كتاباتهن تشكل تمرداً ضد الثقافة المحافظة. القراءة المتأنية للجدل بين الكاتبات العربيات والاستجابات الاجتماعية لأعمالهن يمكن أن تعكس كيف أن السياقات الثقافية والاجتماعية تحكم استقبال هذه الأعمال، ويمكن أن تؤدي أيضًا إلى بناء مواقف عامة اتجاه هذه النصوص. واجهت الكاتبة العربية عددا من القيود والظروف الاجتماعية التي أثرت على تطور الكتابة العربية النسائية بشكل عام. على سبيل المثال، فقد تم حظر بعض أعمال الكاتبات العربيات كنوال السعداوي، وأحلام مستغانمي، وجمانة حداد، وليلى العثمان، وزينب حفني، وبدرية البشر، وليلى الجهني، ورجاء الصانع وغيرهن، لأنه ينظر إلى هذه الأعمال على أنها تشكل تهديدا كبيرا للأيديولوجية الأبوية السائدة. ليس من المستغرب إذن أن تستند بعض الردود على أعمال هؤلاء الكاتبات العربيات إلى الاعتقاد الأيديولوجي بأن كتاباتهن تشكل تهديداً للثقافة العربية المحافظة لسببين رئيسيين. أولاً، يمكن أن يكون هذا الرفض مرتبطًا بالموقف الفكري الآيديولوجي من المرأة العربية منذ العصر الجاهلي الذي كان يراها سبباً للعار وتدنيس الشرف ولهذا فهي تحتاج إلى رقابة من رجال العائلة والقبيلة. ثانياً، غالباً ما ينظر المحافظون المتشددون إلى النصوص الأدبية التي كتبتها المرأة على أنها وسيلة لإفساد الأخلاق العامة. ولذلك، فإن سوق الأعمال الأدبية الإبداعية محدودة بسبب الرقابة الواسعة النطاق للتوزيع العربي المحلي. ويتأثر المشهد الأدبي العربي بشكل عام بالتشريعات والممارسات التقييدية المفروضة على حرية التعبير، حيث إن الرقابة «غالباً ما تهدف إلى وقف نشر أو توزيع المحتوى الذي يعتبر حساساً سياسياً أو أخلاقياً أو دينياً». وضمن هذا الجو، واجهت الروائيات العربيات عددًا من المواقف الاجتماعية، والتي أدت في بعض الحالات إلى سجن بعضهن، وهذا بدوره قد يؤثر على تطور أدب الكاتبة العربية. وحينما كان الجدل الاجتماعي حول هؤلاء الكاتبات مشتعلاً، طبق بعض الكاتبات الأخريات الرقابة الذاتية لتفادي التطرق إلى ما يُنظر إليه على أنه تابو أومن أكثر القضايا حساسية في المجتمع العربي. وبعضهن الآخر وجد في حيلة التخفي خلف اسم مستعار حلاً جيداً يضمن لهن الكتابة دون قيود أو خوف من المجتمع وردة فعل الخطاب المحافظ. اعتمد القراء المحافظون المتشددون كمجتمع تفسري إستراتيجيات مماثلة في قراءاتهم لرواية الكاتبة العربية حيث ركزوا على موضوع التمرد ضد القيم التقليدية، وأبدوا في بعض الأحيان وجهة نظرهم بعبارات عنيفة «هذه الرواية هي خطيئة عظيمة.. ويجب على كاتبتها أن تتوب». وعلاوة على ذلك، اتجه بعض أعضاء هذا المجتمع التفسيري إلى رفع دعوى قضائية ضد بعض الكاتبات لوقف الإذن بنشر رواياتهن، كتبهن، ودواوينهن الشعرية أو توزيعها.. حيث إنهم حكموا على العمل الأدبي من موقف إيديولوجي متحيز بشكل جعلهم غير قادرين على قراءة النص الأدبي كخيال، وجاء تفسيرهم من خلال معاييرهم الخاصة الجامدة. وهكذا، يصفون الكاتبة العربية بأنها امرأة متمردة بسبب الآراء الحقوقية التي عبرت عنها شخصيات في أعمالها الأدبية. وتشير تعليقاتهم المعيارية إلى أنهم ينتقدون المؤلفة بشكل مباشر، ويركزون عليه بدلاً من نصها، وينصحونها مرارًا وتكرارًا بالاعتراف بخطاياها والتوسل لطلب المغفرة. وقد أثرت مثل هذه الردود التفسيرية لهذه المجموعة على استجابة الجمهور العام لبعض هذه الأعمال، وخاصة عندما حذر بعض الخطباء الناس من قراءتها في الخطب الدينية على منابر المساجد. وقد أثر هذا الخطاب الديني بشكل واضح على تلقي بعض أعمال الكاتبات السعوديات والعربيات بشكل كبير خاصة مع نصوصهن التي تركز على قضايا الحب والعلاقة بين الرجل والمرأة والحجاب وحقوق المرأة المسلوبة. يحدد روبرتس بأن بعض الأفراد والجماعات هم أكثر قدرة على التأثير في الرأي العام، وحسب رأيه فإن: «أولئك الذين يصرخون بأعلى الأصوات وكلماتهم أجمل سوف يكسبون المزيد من المؤيدين. وعندما تعطى السلطة التفسيرية لمثل هذه المجموعة، فإن ازدياد عدد المنتمين لها والذين يدافعون عن معنى معين (للأدب)، سيزيد من احتمال قبول هذا المعنى كحقيقة من قبل أكثر الناس». يفسر القراء معنى الأعمال الأدبية وفقًا للرسائل التي يسمعونها بشكل متكرر طوال حياتهم. وبالتالي، فإن هذه الرسائل والمخططات التفسيرية التي تشكل جزءًا من مجتمعهم تساعد في التأثير على فهمهم وتفسيرهم لبعض النصوص الأدبية بطرق مشابهة. ويزداد الأمر سوءًا عندما يصفون بعض الروايات بأنها قصص فاضحة عن الفتيات في العالم العربي ومن ثم تقييم النص كما لو كان سيرة ذاتية لكاتبته.. حيث يخلط هؤلاء القراء بين أبطال الرواية والمؤلفة. والتفسيرات من هذا النوع تتجه إلى الهجمات الشخصية على الكاتبة نفسها بدلاً من نقد النص كقطعة أدبية، مع فشل القارئ في التمييز بين الحياة الحقيقية للكاتبة والعالم الخيالي لعملها. ** **