لم تكن ردة فعل الدول الأوروبية المعارضة لنقض الاتفاق النووي مبنية على رؤية سياسية؛ ومصلحة أمنية للمنطقة والعالم؛ بل كانت تعتمد في أساسياتها على مصالحها الاقتصادية الأكثر تأثراً من إلغاء الاتفاقية النووية وما سيترتب على النقض من خسائر اقتصادية فادحة مرتبطة بالعقود الضخمة التي وقعتها بعض دول أوروبا مع إيران؛ وبخاصة ألمانياوفرنسا وإيطاليا وبريطانيا. ردة فعل تحكمها المصالح الاقتصادية؛ دون الاكتراث بمخاطر إيران وما أحدثته من فوضى في المنطقة؛ وتهديدها الدائم للأمن والسلم الدوليين. سعت ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا؛ قبيل إعلان الانسحاب الأمريكي؛ إلى إقناع واشنطن بعقوبات جديدة على إيران مقابل الإبقاء على الاتفاق؛ وهي عقوبات هزيلة لن تسهم في وقفها عن ممارسة دورها التخريبي؛ وتطويرها السلاح النووي. المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» أكدت؛ بعد الانسحاب الأمريكي؛ التزام ألمانيا مع فرنسا وبريطانيا بالاتفاق النووي الموقع مع إيران، بالرغم من تعبيرها عن (القلق) حيال برنامج الصواريخ الباليستية؛ ودور إيران المزعزع للاستقرار في اليمن. غير أن وزير الخارجية الألماني «هايكو ماس» أكد بعد وضوح الرؤية؛ أن «ألمانيا تريد مساعدة الشركات على مواصلة أنشطتها في إيران بعد القرار الأمريكي بإعادة فرض عقوبات على طهران، ولكنه قد يصعب حمايتها من أي تبعات». حماية الشركات الأوروبية من تبعات العقوبات الأمريكية أمر لا يمكن تحقيقه لأي من الدول الأوروبية وإن اجتمعت. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال في تصريحات صحفية؛ إنه «لم يعد بإمكاننا القبول بأن يقرر الآخرون عنا»؛ بالرغم من تأكيده الأولي على إمكانية التوصل إلى اتفاق بديل يحمي مصالح الجميع. أما المفوضية الأوروبية فقد أكدت على تواصلها مع الدول والمؤسسات والأطراف الدولية للحفاظ على مصالح الشركات الأوروبية بعد قرار نقض الرئيس الأمريكي للاتفاق. وفي المقابل جمدت الشركات البلجيكية تعاملاتها التجارية مع إيران خشية العقوبات الأمريكية مستقبلاً؛ وهو القرار الذي اتخذته بعض المصارف الأوروبية الكبرى. تصريحات متضاربة كشفت عن حجم التخبط الأوروبي في مواجهة الأزمة التي ربما حددت العلاقة الأوروبية الأمريكية؛ التي باتت على مفترق طرق؛ توجهها المصالح وتردعها العقوبات الاقتصادية. يبدو أن ما بنته أوروبا مع إيران من اتفاقيات اقتصادية شارف على الانهيار؛ وأحسب أنها ستقف عاجزة أمام العقوبات الأمريكية؛ وستفشل أيضاً في محاولاتها المستميته لإنقاذ الاتفاق النووي الذي بني على دمار المنطقة وإطلاق يد النظام الإيراني للعبث بأمنها واستقرارها. ستنكشف الشركات الأوروبية على العقوبات الاقتصادية الأمريكية؛ وستخضع صاغرة لها؛ وستجمد علاقاتها مع إيران؛ وإن اتخذت حكوماتها موقفاً متشدداً للإبقاء على الاتفاق النووي.