في الرحلة إلى محافظة العُرْضِيّات والتي قام بها الدكتور غيثان بن جريس ودوّنها في كتابه الصادر حديثاً، وبها بعضٌ من المخالفات والملاحظات التي سنجري تصويباً لها، ربما وقع فيها عن غير قصد فرأينا من واجبنا كتابة ردٍ لائقٍ نوضح فيه ذلك، ومن وجهة النظر الشخصية أن السبب يعود لكون المذكور ليس من أهالي العُرْضِيّات، وإنما جاءها زائراً، كذلك الفترة التي أمضاها هناك ليست كافية، حين قال إنه مكث يومين فقط ولم يلتقِ كل مثقفيها أو بعضهم وإنما اكتفى بمقابلة من كان دليلاً له هناك، فقد يكونا شخصين أو دليلاً واحداً، وفي تلك الزيارة تجول بالمحافظة يومي السبت والأحد (9-10-4-1438ه) وألقى الضوء على حدودها وسبب التسمية وعلّل ذلك باعتراض جبالها وأوديتها وأرضها بين السروات ومناطق الساحل وذكر أن كل البلاد المشابهة للعُرْضِيّات في الجغرافيا تعرف باسم العروض، وذكر أن أرضها تمتد طولاً من الشمال إلى الجنوب قرابة 100 كيلو، ومن الغرب للشرق من 40-50 كيلاً، ولاحظ التشابه الكبير في أراضي العُرْضِيّات، وبارق والمجاردة، وتحدث عن أوديتها، ثم ذهب إلى النباتات والأشجار البرية والحيوانات والطيور البرية أيضاً، وألمح إلى سكان العُرْضِيّات وأنسابهم والصلة التي تربطهم بالقبائل في محافظة بلقرن، وذكر العناصر العربية التي تسكنها، وقال أنهم جاءوا من السراة للعمل، وتطرق للجاليات غير العربية من الهنود، والباكستان، والبنغاليين، والفلبينيين، والإندونيسيين وبعض الأفارقة، الذين جاءوا للعمل المؤقت، ثم تحدث عن عدد المرات التي زار ومر بها العُرْضِيّات، وثمة ملحوظات أخرى خرجت بها من اطلاعي على ما قاله عنها ومن تلك أن المدنية متواضعة في ثريبان ونمرة، وقد نختلف معه في ذلك قليلاً، فنحن سكان تلك البلاد وقدر لنا زيارة الكثير من المدن والمحافظات في المملكة ولاحظنا مدينتي نمرة وثريبان كغيرها تتوافر بها مقومات المدنية التي عناها هنا، ولم تعد تعتمد على المحافظات والمدن القريبة كالسابق، وما أود قوله أن الباحث لم يقم بزيارة كل أنحاء المحافظة كنخال والفائجة ببني بحير وبلحارث وبلاد العوامر وبني المنتشر، وإنما اقتصر على النواحي التي على الطريق أما التصويبات بأرقام الصفحات فالدكتور في بداية صفحة 265 أورد «وفروع شمرانية عديدة مثل: آل الروحاء وغيرهم» والصواب: الروحاء فقط دون كلمة آل، وآل الزارب، والصواب هو: الزراب والزراب فقط دون كلمة آل، وفي ص265 في الهامش رقم1 ذكر فروع جامعة الملك عبدالعزيز في القنفذة، والصواب فرع جامعة أم القرى بالقنفذة، وورد في السطر الرابع من الحاشية رقم 3 في ص265 (لأن من يتتبع نسب كل عشيرة منذ أن نزلت السراة وخرج بعض أفرادها إلى البوادي وتهامة) ونحن يا دكتور لا نرى صواب ما قلته فلا يوجد مصادر تذكر ذلك وإنما بعض تلك القبائل له صلة قرابة كما قلت وهم أبناء عمومة ولكن الأصل أين؟ الله أعلم، فمصادر وكتب التراث القديمة تذكر أن تلك القبائل هاجرت حين قدمت من الوطن الأول في اليمن في عصور قديمة فالبعض اتجه نحو تهامة واستوطن هناك والبعض الآخر سلك طريق الجبال وعاش هو وأبناؤه فيها، وليس كما تقول إن الأصل في السراة، وهذه إشكالية جدلية لا يستطيع أحد الجزم بها، وذكر الدكتور في بداية صفحة 268 قرية ثريبان وقرية نمرة، والصواب أن ثريبان ونمرة ليستا قريتين وإنما هما بلدتان أقرب إلى التمدن ففيهما كثير من الخدمات والمرافق المتطورة ويصح أن نطلق عليهما مدينتين، بعد ذلك أورد أستاذنا الدكتور في صفحة 268 قوله «إذا قارنا العُرْضِيّات مع غيرها من حواضر ومدن تهامة مثل: المخواة، أو المجاردة، أو محائل عسير، فإن هذه الناحية ما زالت متأخرة كثيراً في التنمية، فلا يوجد فيها أسواق تجارية كبيرة، أو إدارات خدمية كبيرة، ووجدت أهل البلاد يتذمرون ويأملون أن تتطور في مجالات عديدة حتى تصبح مواكبة لغيرها من البلدات والمدن والحواضر المتطورة حضارياً وتنموياً في بلاد تهامة والسراة، وتعليقنا على ما قلته هنا إن المقارنة يا دكتور بين محافظة تأسست منذ ستة أعوام ومدن قامت من عشرات السنين ليست منصفة وكان يجب أن تذكر أن هناك أسباباً حالت دون تطورها وأهمها التبعية للقنفذة منذ عقود والبعد المكاني عنها مما جعلها متأخرة تنموياً ولم تحض بالاهتمام الكافي هناك، وكذلك المسافة البعيدة في وقتنا الحالي عن منطقة مكةالمكرمة المرجعية المباشرة الجديدة لها، وما زالت تلك المشكلة قائمة، ووجهة نظري يا أستاذ أنك بالغت في قولك أنها متأخرة تنموياً فوجود كل الدوائر الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني حاضرة، والنظرة العامة لمنطقة مترامية الأطراف بهذه الطريقة ليست دقيقة ولا منصفة فلا يمكن أن تكون المائة كيلو متر كلها شوارع ومباني ودوائر حكومية ومحلات تجارية وكما تعلم أن أبها والنماص ليستا كلها معبدة وبها خدمات وإنما تركزت الخدمافي المركز، والمركز بالنسبة للعرضيات هو مدينتي ثريبان ونمرة والذي زار هاتين المدينتين منذ سنوات ورآها اليوم يجدها خطت خطوات لا بأس بها تنموياً، أما الأسواق فيبدو يا دكتور أنك لم تتجول فيها بالقدر الكافي ففي ثريبان ونخال والكديس والمعقص والفائجة أسواق عامرة لا بأس بها وكثيرة هي على الطريق الممتد من المخواة إلى مثلث بو حسن وكان يجب أن تتوحّد في مجمعاً تجارياً كبيراً يضمها، وهذا ما نؤمله وكان الواجب قوله، ولا نعلم ماذا تعنيه بإدارات خدمية كبيرة رغم علمك بوجودها جميعاً هناك، ذكرت أن أهل تلك البلاد يتذمرون، أقول يا دكتور غيثان أن هذه العبارة ليست دقيقة فلو قلت يأملون واكتفيت بها لكان أفضل، وفي صفحة 270 ذكرت سوق الثلاثاء في بني سهيم، والصواب سوق الاثنين ببني سهيم، وفي صفحة 271 الحاشية رقم 3 قلت ومن تلك الكتاتيب كتاب محمد بن أحمد الشيبان في بادية بني عمارة، والصواب كتاب محمد بن أحمد الشيباني، في بادية عمارة فقط دون إضافة كلمة بني. وفي صفحة 273 ما نصه «وركز على دور سوق حباشة الذي يُقال إنه في بلاد العرضية الجنوبية»، والصواب: إنه في بلاد العرضية الشمالية. وبالنسبة لعدد الأشخاص الذين التقيتهم لا يمثّلون رأي كل العُرْضِيّات. فوجهات النظر وخصوصاً لدى المثقفين متباينة . نعم نأمل أن نصل إلى الأفضل ولكن نحن أهل تلك البلاد نعلم أنها تطورت في السنوات الماضية إلى حد ما وبها خدمات تعليمية وحكومية ومؤسسات مجتمع مدني. وفي ص274 حين قلت إنها لا تحمل أي نشاط، فإن كنت تقصد النشاط الفكري والثقافي في ظل مؤسسات رسمية فأظن أن المملكة كلها في تلك الفترة لم يكن فيها نشاط ثقافي فكري مؤسسي، وإن كنت تقصد الأهلي فكذلك المملكة كلها ربما لا يوجد فيها نشاط أهلي ما عدا مكةوالمدينةوجدة. ولإلماحتك حول الحياة الثقافية بشكل عام في العُرْضِيّات، سأرد بما يتناسب مع ذلك: إن تجاهلك للنشاط الثقافي الذي قامت به اللجنة الثقافية خلال أربع سنوات ماضية ليس عدلاً، حيث إنها استقطبت الكثير من المثقفين وأكاديميي الجامعات والإعلاميين والشعراء من أهل تلك البلاد وغيرهم وكنت أنت أحد الذين وجهت إليهم الدعوة فاعتذرت عن قبول الدعوة لظروفكم حينها، وقد أغفلت جهودها بقولك أنها لا تعبر عن الحالة الثقافية، وأرى يا دكتور أن لديك بعض التناقض في حين نشرت في بعض أطروحاتك أن ليالي السمر في النماص وتنومة في الماضي تعبر عن الحالة الثقافية آنذاك، أما الأمسيات الشعرية المنظمة في اللجنة الثقافية بالعرضيات فلا ترقى لأن تكون عمل ثقافي، فما العمل الثقافي بمفهومك أنت. وأود أن أذكر تجاهل جهود لجان التنمية الاجتماعية الأهلية والحكومية التي نشأت قبل وبعد المحافطة والتي لم تعرها اهتماماً، والمناشط التي تقيمها بين الفينة والأخرى من تدريب وتعليم ودورات تخصصية ونشاط ثقافي، أقول تجاهلت كل ذلك وذكرت أنها لا تمثّل أي حالة ثقافية. وما قاله الأستاذ محسن السهيمي الكاتب في صحيفة المدينة رئيس اللجنة الثقافية بمحافظة العُرْضِيّات سابقاً. حين استكتبته فقال إن بلاده مرت بأربع مراحل سوق حباشة، والرحالة المسلمين وغير المسلمين، وبداية التعليم النظامي، والمرحلة الرابعة تأسيس اللجنة الثقافية بالعُرْضِيّات، وقد قمت يا دكتور بنسف الدلالة الثقافية للمرحلتين الأولى والثانية بقولك أنها لا تعكس أي صورة من صور الثقافة متناسياً أنك أنت بنفسك وفي دراسات سابقة قمت بنشرها، تحدثت عن الحالة الثقافية وزيارات الرحالة لأجزاء من عسير وقمت بالتفصيل حول دورهم ونسبة المعلومات التي استفاد منها الباحثون من أولئك الرحالة، فإذا كانت مدونات الرحالة ونسبة المعلومات التي وصلتنا عنهم ليست منجزاً ومرجعاً ثقافياً فما هي الثقافة إذاً. في ص 276 العنصر السادس من خلاصة الدراسة حين قلت إن بلاد العُرْضِيّات. تفتقر إلى المتاحف التراثية، والصواب أن تلك العبارة لم تكن بتلك الدقة فالعُرْضِيّات يوجد بها متحفان تراثيان الأول يوجد في بلدة النبيعة للأستاذ عايض عالي آل خضر الرزقي والآخر في العرضية الشمالية بالفائجة ويملكه والقائم عليه الأستاذ عطية بن سهلان، كان أولى بك أن تشير إليهما على الأقل ثم بعد ذلك قل ما تراه حول النقص الحاصل بهذا الخصوص. وفي نفس الصفحة قلت إن «في العُرْضِيّات من أبنائها من يحمل درجات علمية عالية في شتى العلوم، وفيها وجهاء وأثرياء وعقلاء وحكماء، لكنني لم أر لهم أي مشاركة أو إسهامات عامة تعود على الأرض والأهل بالفائدة والنماء»، وأنا لا أتفق معك في كل هؤلاء، نعم أن الأسماء الكبيرة من مثقفيها لم يقدموا لها شيئاً وليتك استثنيت لكن لدينا يا دكتور غيثان شباباً مثقفين كباراً بفكرهم وليسوا معروفين لكنهم ذوو همم عالية ويحملون على عواتقهم هم بلادهم حين نذروا أنفسهم لخدمة هذه المحافظة تطوعاً لا يريدون مقابلاً سوى الرقي بالمحافظة الفتية تنموياً وتعليمياً واجتماعياً وثقافياً ولولا خشيتي أن أنسى بعض الأسماء لذكرتهم. وأخيراً حين قلت لا يوجد رياض أطفال أهلية، والصواب أنها توجد رياض أطفال أهلية بمستوى جيد تتبع للجان التنمية وجمعيات التحفيظ في العرضيات، وهناك حضانة أطفال قامت بمبادرات شخصية فردية وتقدم خدمات أقرب إلى المقبولة. وفي الختام لصاحب القول المكتوب مني أجمل التحايا وأزكاها، وأشكره على تجرده من الأنا واستقطابه للآخرين بالمشاركة معه في كتابه ذاك وعدم تبرمه مما نكتبه ويكتبه غيرنا نقداً لمؤلفاته، بل إنه يتبنى ذلك، سائلاً الله تعالى له مزيداً من التوفيق والتقدم. ** ** - بقلم/ عبدالهادي بن مجنِّي