ليس فقط «بعد المطر»، وإنما سعاد أبو دية ترسم وتشارك بهدوء محليًّا ودوليًّا منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، وحققت العديد من الجوائز، وكان لي وافر الحظ بأن أرصد تلك المسيرة الحافلة حتى «قبل المطر»؛ لأن وزارة الثقافة والإعلام كانت ترسل أعمال الفنانة سعاد أبو دية مع أعمالي بعد انتهاء المعارض التي تقيمها الوزارة، وبعدها يستلمها الصديق الخلوق أحمد أبو دية؛ ليسلمها لأخته الفنانة في موطنها ينبع النخل؛ إذ منذ عرفتها وأعمالها تثير اهتمام المتلقين من فنانين ومثقفين ومهتمين. وحرصها يتأكد في استجابتها السريعة ومبادرتها لأي مشروع أو نشاط فني يخدم الفن والفنانين بينبع وغيرها. وسعاد فنانة دائمة الحرص على التجربة والممارسة والمشاركة، وتبذل قصارى جهدها للمحافظة على إحساسها المتدفق في كل تجربة أو تكنيك جديد تضيفه لأعمالها بمنتهى الهدوء، وبإيقاع ناعم، يشبه زخات المطر الأولى.. حتى تلخصت هذه التجربة في «بعد المطر»؛ لترسم قصة عشق، قد تقادم عهده؛ وبذلك يتأكد رأيي فيها بوصفها فنانة مميزة، تجمع بين الإحساس العالي والفرشاة الجريئة؛ لتكون مزيجًا صادقًا من العاطفة الجياشة لذكرياتها، ورصدها الفريد والتعبير القوي الذي لا يلبث المتلقي أن يدركه من النظرة الأولى لأعمال الفنانة سعاد أبو دية. ومن هذا التاريخ الطويل الذي جمعني بالفنانة سعاد أحسستُ بهذا الدور والمسؤولية لكتابة هذه السطور؛ علَّها توفي جزءًا من حق هذه الفنانة السعودية ذات التجربة الفريدة والحس المميز، التي نفخر بوجودها نحن الفنانين من ينبع، ومن المملكة جميعها. ارتبطت الفنانة سعاد ببيئتها (ينبع النخل) ذات التاريخ العريق، وموطن القبائل العريقة التي تربينا على القصص والحكايات منها ومن هذا الموطن. وما يقال عنها إنها كانت جنة من جنات الله في أرضه، وتنبع فيها العديد من الينابيع؛ وتتمتع بكثافة من النخيل حتى إن الشمس تغيب عن الأرض، ويمشي الفرد تحت نخيلها بالقناديل والمصابيح في وسط النهار من شدة كثافة أشجار النخيل؛ ومن هنا جاء اسمها (ينبع النخل). وبعد سنوات عانت فيها من الجفاف، وشح فيها المطر، هجرها بعض أهلها، وظلت بيوتهم الطينية أطلالاً تبكي على أيام تغنت فيها الطيور على أغصانها.. وكل هذا والفنانة سعاد تحزن لحزنها، وترسم وتغني وتحلم بيوم تنتظر فيه المطر؛ ليبقى تعبيرًا عن الأمل وتحفيزًا للعمل رغم الصعاب والتعلم ليوم ما «بعد المطر» حين اكتست ينبع النخل بالغيوم، وأمطرت على تلك البيوت والمزارع، وعادت بعض العيون للتدفق.. وقتها حان للفنانة أن تنطلق وتشاركها الفرحة، وترسم الألوان التي كانت تحلم بها، وتثبت لنفسها وبيئتها أنها لم تتوقف لا «قبل المطر»، ولا «بعد المطر»، وأنها لا ترسم حكايتها فقط لأنها سبب إلهامها.. وإنما سعاد هي ينبع النخل، وينبع النخل هي سعاد أبو دية.