في لقائه مع صحيفة (تايم) الأمريكية قال سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد: «إن تنظيم جماعة الإخوان المسلمين هو الأب الشرعي لجميع الحركات الإسلامية التي انتشرت في العالم»، إلا أنه وصف أتباع (السرورية) بالأكثر تطرفًا في الشرق الأوسط. وهذا كلام دقيق وصحيح. ولكن ما هي السرورية؟ ومن تنتسب إليه؟ وكيف بدأت؟ الحركة السرورية هي حركة تأخذ من السلفية الموروثة العقيدة، ولكن بشكل انتقائي، وتأخذ من جماعة الإخوان المسلمين الأشكال التنظيمية الحركية، على اعتبار أن جماعة الإخوان لا تكترث بالعقيدة، وجلهم أشاعرة، وتتساهل مع الفرق التي تدعي أنها إسلامية، بينما هم - أي السرورية - يجعلون العقيدة أولاً، ولكنهم يسبغون عليها البعد السياسي، كشرط ضرورة، لا يكتمل إسلام المرء إلا به، ويسمونها (الحاكمية)، رغم أن السلف الأوائل لم يشترطوا هذا الشرط. نشأت هذه الجماعة في المملكة على يد (مدرس حساب)، كان يعمل في المرحلة المتوسطة في المعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام، يدعى «محمد سرور نايف زين العابدين»، لم يدرس العلم الشرعي دراسة منهجية. بدأ دعوته في حائل، ويقال بريدة، ثم انتقل إلى المنطقة الشرقية. ولما تنبهت لنشاطاته الحركية الحكومة ذهب إلى الكويت، ومنها إلى بريطانيا، حيث أسس مجلة (السُّنة) التي كان مريدوه يهرِّبون أعدادها إلى المملكة وبقية الدول العربية. وُلد محمد سرور في حوران في بلاد الشام عام 1938م، واعتنق أولاً الفكر الإخواني، وعندما قَدِم إلى المملكة وجد أن (التأسلم السياسي) الذي لا يكترث بنقاء العقيدة، كما هو منهج الأخوان، سينتهي في المملكة حكمًا إلى الفشل، فبدأ من الستينيات الميلادية يؤسس لطرح جديد، يزاوج بين العقيدة والسياسة، وسلك بطرحه النهج الذي تعلمه من جماعة الإخوان عندما كان منتميًا لهم. لذلك استطاعت هذه الحركة الوليدة أن تجد آذانًا صاغية وأصداء واسعة لدى كثير من الشباب المتحمس، الذي كان متعطشًا لطرح سُني ثوري تغييري على غرار حركة الخميني في إيران. وقد اخترق السروريون كل الطبقات في بداية الثمانينيات، وتبناها كثير من الدعاة والمعلمين والقضاة الشباب، كما أنهم اخترقوا حتى المسؤولين في وزارة الداخلية، حينما أوكلت إلى محمد سرور نفسه تأليف كتاب يذب به عن أهل السنة في مواجهة الثورة الخمينية، وفعلاً صدر هذا الكتاب تحت اسم (وجاء دور المجوس)، ورمز محمد سرور لنفسه باسم «عبدالله الغريب»، وكان الخوف من تمدد ثورة الخميني في ذروته. تبنت الدولة في البداية السروريين على اعتبار أنهم تيار سلفي، نقي، ويواكب توجهات الدولة السعودية السلفية؛ الأمر الذي أعطى كوادر هذا التنظيم في الثمانينيات من العقد الماضي حرية في الحركة والدعوة والقدرة على اجتذاب الشباب حينها، وأدلجتهم، في حين خبا وهج جماعة الإخوان المسلمين نوعًا ما؛ ما خلق بين التوجهين صراعًا فكريًّا شرسًا، كانت الغلبة فيه للسروريين. احتلال صدام للكويت، وشعور السروريين بانتشارهم وكثرة أتباعهم، كانا النقطة المفصلية التي حدث فيها الطلاق بين الحكومة والسروريين، خاصة بعد سجن كبار رموزهم، الذين ظنوا أن الدولة غير قادرة على مواجهتهم، غير أنه كان طلاقًا رجعيًّا؛ فانتصار المملكة في حرب تحرير الكويت، وشعورهم بأنهم (تعجلوا) في المواجهة، جعلهم يحنون رؤوسهم للعاصفة، ويتحينون الفرص لإثبات ولائهم وتمسكهم بالبيعة من جديد في حركة تكتيكية، أعادت المياه إلى مجاريها بينهم وبين الدولة. هادنتهم الدولة بنوع من الحذر، وحاولت أن تحتويهم، غير أن (المؤدلج) مثل مدمن المخدرات، قد يشعرك بأنه عاد عن إدمانه طالما أنه يحس أنك أقوى منه، إلا أنه إذا لاحت له الفرصة عاد وكأنه المناضل العنيد، الذي لا يمانع في أن يضحي بروحه نصرة لقضيته. تنظيم الحمدين في قطر استطاع أن يخترقهم، ويجند أغلبهم، خاصة رموزهم، وأغدق عليهم الأموال؛ ليكونوا له بمنزلة الطابور الخامس. وحينما أشعلت قطر (الربيع العربي) كانت جماعة السروريين في طلائع المصفقين لهذا الربيع والمناصرين له، غير أن فشل الإخوان في مصر، وتراجع دورهم في تونس، والحرب الأهلية في ليبيا، وفشل المتأسلمين في سوريا، كشفتهم لكل من كان منخدعًا بأطروحاتهم، ثم جاءت الضربة القاضية التي قصمت ظهورهم، وهي قطع العلاقات بقطر الممولة الأولى لحركتهم، والحزم والعزم اللذان انتهجتهما الدولة في مواجهتهم، ومواجهة دعاتهم؛ ما جعل كثيرًا منهم يرفع الراية البيضاء مستسلمًا للهزيمة، ومحاولاً أن ينقذ نفسه من المصير الذي يبدو أن (دولة سلمان) عازمة على اتخاذه، ومؤداه اجتثاث جميع هؤلاء المتأسلمين المسيسين مهما كان الثمن من مجتمعاتنا. تصريح الأمير محمد الأخير يبدو أنه يعني الكثير، وأن سحقهم مسألة وقت، وترتيب أولويات، لا أكثر. إلى اللقاء