صداقة ومحبة ورحلة أعمار من التآخي والإبداعات والذكريات تربطني بالفنان التشكيلي الأجمل على مستوى الإنسانية جمعاء في العصر الذي عرفتُ (فهد الحجيلان - رحمه الله) لم أصدّق أول رسالة أتتني من الصديق الفنان راضي جودة تقول (فهد الحجيلان في ذمة الله) صباح الجمعة 30 مارس الماضي، انفجرتُ غضباً بالرد على الصديق راضي محذراً من المزاح في مثل هذا الفأل الصاعق.. أكّد لي أنّ... ولم أصدّق؛ كتبتُ لفهد، وأنا في مسقط رأسه (مصر) وهو في مسقط رأسي (الحجاز) أخاطبه وقد وضعتُ صورته أمامي: (أخي وصديقي وصاحبي وحبيبي، الفنان فهد الحجيلان، أرجوك تكلّم.. قل إن خبر وفاتك إشاعة كاذبة وسوف نسامح من أطلقها؛ فقط قل إنك لا تزال تتنفس مثلنا، لنبكي ونضحك مثلك. أرجوك يا فهد). ولكنه لم يرد، وتوالت عليَّ الأخبارُ مؤكدةً خبر وفاته رحمه الله. لن تكفيني مجلدات أكتبها عن ذكرياتي مع فهد ورسوماته ومرحه وصبره على من استغلوه وظلموه، ولكن ربما يكفيني في مثل هذا الحزن أن أعيد شيئاً أفرحه في يوم من أيام العام 2002 حين كنا لا نفترق يومياً ورسم وصمم لي أغلفة اثنين من دواويني (الصوت.. الشارع) و (آتٍ من الوادي).. حينها كتبتُ قصيدة عنه وأهديتها له، عنوانها (حواريّة الرّيح) وكان يعجبني نطقه لعنوان القصيدة المشتمل على حرفين من (الراء) التي كان يلثغ فيها لثغة محببة تجلب الابتسامة لكل من يسمعها منه – رحمه الله. فهد المحبّ أحب القصيدة جداً، وعمل معرضاً تشكيلياً باسمها (حواريّة الرّيح) ووضعها أمام صورته في المنشور الخاص بالمعرض، وفي مدخل المعرض الذي لم تتح لي ظروف سفري آنذاك أن أحضره، ولكنه فرح بتهنئتي له عن بعد، وقد كنتُ أحسبُ أنه سيعاتبني، ولكن.. هل مثل فهد يعاتب؟ أبداً والله، فقد كان لا يجيد إلا الحبّ والإبداع – رحمه الله. وقرأتُ أثناء فترة معرضه (حورايّة الرّيح) عام 2009، في جريدة الحياة حواراً معه على هامش المعرض جاء فيه: (وعن عنوان المعرض أوضح الفنان فهد الحجيلان ل»الحياة» أنه مستوحى من قصيدة للشاعر فيصل أكرم كان أهداها إليه قبل ثماني سنوات. وقال:»تتماهى اللغة الشعرية في قصيدة فيصل أكرم مع اللغة اللونية والموضوعية في لوحات المعرض، عوضاً عن أن القصيدة بقيت محتفظاً بها طوال سنوات، حتى أحسست بقربها مما أردت التعبير عنه في هذه المجموعة»..). واسمح لي يا صديقي الفنان الحبيب المحبّ أن أهدي لروحك القصيدة التي أحبتك وأحببتها مع تمنياتي أن تكون الآن في مكان أفضل من كل الأماكن التي عرفناها معاً: (إلى الصاحب الذي........... إلى............ فهد الحجيلان: قالت له الريحُ: أرسمْ فكان الترابُ المذابُ حواراً، وكانْ.. لم ينتزع غُربةً من غريبٍ على مثلهِ، ولكنه كان من كل غصنٍ يكون ويأتي.. يهذّبُ في ريشةٍ فُسحةً ويصوغ الفرادةَ في لوحةٍ ثم يرمي بها في مهبّ الرهانْ كمن لا يفتّش عن فرصةٍ ولكنّه.. فُرصةٌ للمكان الذي تتلاقى عليه المساطرُ في الامتحانْ وهذا هو الآنْ يمضي بعيداً، إلى كل طيرٍ ويأتي سريعاً.. كأنّ الحصانْ الذي يتفرّج في لونهِ بعضُ شمسٍ وليلٍ وبعضٌ من الكون في كونهِ مُدَّ من خلْفِ غافٍ على رملهِ، ألفُ موجٍ.. توالى كتلويحةٍ بعضها كافتتانٍ يمدُّ الحنانَ.. يمدُّ الأمانْ ومُدّتْ أصابعُ، في لمسةٍ قيل: أهلاً وسهلاً فأهلٌ.. وكانوا صعاباً وسهلٌ.. يشتت عن مقلتينا صحاباً وسهلٌ كأهلٍ، سينصبُّ فينا انصباباً؛ وكانْ يصعّبُ نظرتنا في الوقوفِ.. يصعّد خبرتنا بالسقوفِ.. ويتركنا هائمين على بسطةٍ من رياحٍ تقولُ: اكتفينا فقال: سأرسمُ حتى نُفسّر أمثولةً في كتابٍ يُصانْ قيل: حتى يُصان الذي ينتهي؟ قال: حتى، وحتى وحتى نُترجم أسطورةً... بامتداد الزمانْ. * * قيل: ينزل من مطرٍ قال: لا.. قيل: يطلع من نفسه، ثم يُكسر في حجرٍ قال: لابدّ من شجرٍ يُعتلى.. * * قيل: تحتاج شيئاً؟ فقال: الخلاءْ.. قيل: تخلو به؟ قال: يخلو بنا الماءُ، حتى نصافح كفّ الهواءْ..........) 14/11/ 2002 وبعد يا صديقي وقد سبقتني إلى هناك، إلى مصافحة كفّ الموت، حيث لا ندري أهناك هواء أم غيره من الأشياء... رحمك الله. - القاهرة [email protected]