تنشر وسائل الإعلام المحلية تصريحات، تُنسب لمسؤولي التعليم، عن خطط تُعد حاليًا لتطوير مخرجات التعليم بما يتلاءم مع احتياجات سوق العمل. ورغم أن هذه التصريحات ليست مستجدة، بل ذُكرت خلال سنوات طويلة، إلا أن شيئًا لم يتطور بالقدر المناسب لتوجهات الاقتصاد ومتطلبات سوق العمل. لكن قبل أن نلوم التعليم لا بد أيضًا من معرفة ما هي نوعية الوظائف التي ولّدها الاقتصاد في السنوات العشر الماضية على أقل تقدير، التي كان جُلها في قطاع التشييد والتجزئة، وهي وظائف في غالبيتها لا تتطلب مهارات، أو ذات رواتب متدنية جدًّا؛ وهو ما يعني عدم مناسبتها للشباب والشابات لاعتبارات عديدة، كالدخل والتأهيل، وأيضًا لكونها وظائف عمالة عادية، تحديدًا بقطاع التشييد الذي يستأثر بنحو 50 % من وظائف القطاع الخاص البالغة قرابة 10 ملايين وظيفة، وفق إحصاءات التأمينات الاجتماعية؛ فنسبة العمالة العادية أو ذات مهن بدخل متدنٍ تقارب 78 % من العمالة الوافدة، بينما نسبة العاطلين من المواطنين ذوي التأهيل فوق الثانوي تصل إلى 54 %. لكن مع انطلاق برامج التحول لتحقيق رؤية 2030م فإن دور التعليم اختلف، وأصبح من الصعب الانتظار أو تجريب أي خطط تعليمية وتدريبية دون أن تأخذ بعين الاعتبار عوامل عديدة، يرتكز عليها التحول الاقتصادي المستهدف في الرؤية. فمن المهم أن يكون التحول بمخرجات التعليم نحو التغيرات التي تستهدفها الرؤية من حيث رفع تنافسية الاقتصاد الوطني عبر استخدام التقنية الحديثة، والاتجاه للاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وتقليص الأيدي العاملة الكثيفة رخيصة الأجور الوافدة، والنظر إلى المشاريع الجديدة التي تقوم على استخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل مدينة «نيوم» التي صرح المسؤولون عنها بأن عدد الروبوتات سيفوق عدد البشر الذين سيعملون بها؛ فأي تغيير في التعليم لا ينطلق نحو المستقبل وتغيراته بمتطلبات سوق العمل القادمة، وليس القائمة حاليًا فقط، فإنه لن يحقق الأهداف المرجوة لتطوير رأس المال البشري. الكثير من الحديث عن خطط تطوير التعليم قيلت سابقًا من مسؤولي هذا القطاع الأساسي الذي يعد عصب التنمية المستهدفة، وأهم ركائزها.. ولا بد من أن ننتقل إلى مرحلة التنفيذ بخطط واضحة، تستهدف رفع نسب الخريجين في التخصصات العلمية والمهنية المطلوبة مستقبلاً في ظل عالم يتغير بسرعة، وسيُفقد منه نحو مليارَيْ وظيفة بعد نحو 15 عامًا من الوظائف والتخصصات التقليدية؛ لتحل مكانها تخصصات العصر الرقمي والتقني واسع المعارف والاستخدامات، الذي سيكون هو سلاحنا لاقتصاد عالي الإنتاج، وأكثر تنافسية بين الاقتصادات الناشئة.