ننظرحاليا لسوق العمل فنجده يعتمد، ولسنوات مضت، على العمالة الوافدة. ورغم الحراك الذي أصابه مؤخرًا من زيادة الطلب على وظائف الدخول للسعوديين والسعوديات، إلا أن أمامنا سؤالًا ضخمًا لا مفر من الإجابة عنه: هل نستغل مواردنا البشرية المواطنة استغلالًا مرضيًا؟ ومن المهم إدراك أن مسئولية تنمية وتطوير وتوظيف الموارد البشرية حاليا مقسمة بين عدة جهات؛ فحاليا تتولى وزارة العمل تنظيم سوق العمل وتوظيف الموارد البشرية خارج القطاع الحكومي، أما الجهاز الحكومي فتتولى شئون التوظيف فيه وزارة الخدمة المدنية. وعند الحديث عن الموارد البشرية فالأمر لا يبدأ بالتوظيف، فحتى يكون بوسع الوزارتين التوظيف فلابد أن تتاح لهما موارد بشرية مطورة، أي متعلمة ومؤهلة لشغل الشواغر في سوق العمل، وهذا يشمل التعليم العام والجامعي والمهني والحرفي. ونتيجة لتقسيم شئون سوق العمل السعودي إلى جزءين؛ الحكومي والقطاع الخاص، لكل تشريعاتها ولوائحها، هذا فيما يتعلق بالتوظيف، أما ما يتعلق بالتطوير فذاك أمر موزع بين أجهزة عدة. ولن يتسع المجال للخوض في تناول مطول، ولكن تدار منظومة الموارد البشرية في المملكة وكأنها شقان متمايزان لكل منهما جهة، فلا أقل من التنسيق بينهما، وهذان الشقان؛ شق العرض وهو يبدأ بالتعليم العام وبعد ذلك التعليم المتوسط والجامعي والمهني والتقني والحرفي والتأهيل وإعادة التأهيل. والشق الثاني يتعلق بإدارة الطلب من خلال التوظيف في الحكومة والقطاع الخاص. والقضية ليست مشاحة في مصطلحات، فالتسميات وعاءٌ للمعنى، إذ أن مفهوم التوظيف يعني التسكين على وظيفة، أما تطوير الموارد البشرية فدلالته أوسع؛ منها التوظيف والقوى العاملة وتطوير المهارات والعلاقات العمالية والتأمينات الاجتماعية. كما أن لها وظيفة لا تقل أهمية وهي السعي للارتقاء بنوعية الموارد البشرية المحلية المتاحة، فنحن حالياً نلهج بأهدافنا، ومنها أن نجعل الموارد البشرية السعودية رأس الحربة في تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي، ولكن كيف؟ ومن يقوم بهذه المهمة، فهي الركيزة لتنويع الاقتصاد السعودي وللرفع من القيمة المضافة المحلية ولتحقيق تقدم في نمو أنشطة الاقتصاد المعرفي محليا. فهذه الوظائف لن تتحقق عفو الخاطر، ولن يكفي لتحقيقها مجرد وجود جامعات بل لابد من وضع الهدف ووضع خطط تنفيذية وأجهزة لتحقيقه.ويمكن الزعم أن وزارة الموارد البشرية ستجمع الشتات، وستجعلنا في وضع أفضل لحشد طاقاتنا البشرية لتحقيق متطلبات «رؤية المملكة 2030» وبرامجها التنفيذية، ولاسيما التحول الوطني 2020، والتوازن المالي 2020، بل وحتى تنفيذ أهداف ارتكازية للرؤية مثل رفع مشاركة المرأة في قوة العمل إلى 30%، أو الارتقاء بالمحتوى المحلي في النفط والغاز إلى 75%، أو خفض نسبة البطالة إلى 7%، أو زيادة مساهمة القطاع الخاص إلى 65%. هذه الأهداف لن تتحقق إلا بتغيير جذري لكيفية إدارة مواردنا البشرية ؛ فقوة العمل هي أهم مورد للإنتاج؛ فاقتصادنا يرتكز إلى النفط، الذي يمثل حتى اللحظة المصدر الأهم لإيرادات اقتصادنا الوطني، مما يجعل القيمة المضافة التي تولدها بقية الأنشطة الاقتصادية محدودة القيمة نسبة لما يجلبه النفط، يضاف لذلك أننا نعتمد هيكليا على العمالة الوافدة في جميع الأنشطة الاقتصادية حصرا. فضلاً عن أن اقتصادنا يعاني في توظيفه لقوة العمل المحلية (المواطنة) من: بطالة، ومحدودية توظيف (كما هو الحال مع النساء)، وتوظيف في وظائف هامشية وأحياناً وهمية. هذا واقع يستدعي تحركًا «عسكريًا» وفق خطة تفضي إلى تحسين توظيف الموارد البشرية كما ونوعًا، وجعلها هي مرتكز سوق العمل وعماده، إذ يمكن الجدل أن هذا هو لب التحول الاجتماعي- الاقتصادي ومرتكزه. وهذا يتحقق من خلال جهد منسق بين جهات تدرك أن قوة العمل مورد نادر وكنز ثمين ينبغي استغلاله أفضل استغلال والسعي به ليحل في الصدارة التي احتلها النفط لعقود، أقول ذلك ليس انتقاصًا للنفط، بل اعتدادا بمواردنا البشرية المواطنة؛ فهي التي بوسعها أن توفر للمملكة ميزة تنافسية مستديمة إذا ما أحسنا تنميتها وتوظيفها.