على الرغم من أن حوالي 80% من العمالة الأجنبية في القطاع الخاص السعودي عمالة أمية أو تقرأ وتتكتب فقط فقد استطاع القطاع الخاص على مدى عقود تمرير ادعاءه الزائف بأنه لا يوظف العمالة المواطنة بسبب كون مخرجات التعليم لا تتواءم مع احتياجاته وأنه لا بد بالتالي من استمرار اعتماده على العمالة الأجنبية الأعلى تأهيلاً والأكثر مهارة. أي أن واقع القطاع الخاص يظهر أنه لا مصداقية مطلقا لمقولة عدم مواءمة مخرجات التعليم وهي بعكس ما يدعيه هذا القطاع تماما، أي أن وظائف القطاع الخاص هي التي لا تتواءم مع مخرجات التعليم وليس العكس. فمخرجات نظامنا التعليمي ورغم كل ما يشوبها من قصور وتدن في المستوى إلا أنها تظل أعلى بكثير من متطلبات معظم وظائف القطاع الخاص. فهذا القطاع يحتاج في الغالب عمالة أمية أو شبه أمية متدنية المهارة تقبل بأجور متدنية ولا يرغب في توظيف عمالة عالية التأهيل والمهارة ستكون أجورها مرتفعة بالضرورة. بحيث أنه لو افترضنا أن 100% من خريجي نظامنا التعليمي متميزون عالي التأهيل في تخصصات فنية ومهنية وعلمية فإنه لن يكون لمعظمهم أي فرص عمل في القطاع الخاص تتناسب مع تأهيلهم كون معظم فرص العمل في هذا القطاع تتطلب عمالة غير مؤهلة ولا ماهرة تقبل بأجور زهيدة. وزارة الاقتصاد والتخطيط يبدو أنها اقتنعت أخيراً بهذه الحقيقة على الأقل وفق ما جاء في تقريرها عن الاقتصاد السعودي الذي نشر الأسبوع الماضي، وهي التي طالما كررت في خطط التنمية المتعاقبة على ضرورة مواءمة مخرجات التعليم لاحتياجات القطاع الخاص، وبدى الأمر كما لو أننا نتحدث عن القطاع الخاص في اقتصاد دولة صناعية متقدمة يسوده اقتصاد المعرفة وليس قطاع خاص قاصر معظم فرص العمل فيه لا تتطلب أدنى تأهيل أو مهارة. هذا التقرير أكد أن القطاع الخاص غير قادر على حل مشكلة البطالة بسبب أن غالبية الوظائف التي يوفرها هي وظائف غير ماهرة ولا تتطلب مستوى تعليمياً مرتفعاً ما يجعل إحلال العمالة الوافدة بعمالة وطنية ضعيفاً لأن الغالبية في العمالة الوطنية هي عمالة ماهرة وأغلب العاطلين عن العمل هم من حملة الشهادات الجامعية. هذا الاعتراف من قبل وزارة الاقتصاد والتخطيط يؤكد ما ذكرته في دراسات ومقالات عديدة أنه لا يمكن حل مشكلة البطالة، بل والمشكلة الأخطر والأهم وهي تدني مساهمة العمالة المواطنة في سوق العمل، ما لم ننجح في كبح تدفق العمالة الأجنبية متدنية المهرة والأجر بصورة تجبر القطاع الخاص على التخلي عن نموذج أعماله الحالي المعتمد على العمالة الرديئة متدنية المهارة والدخل والتحول إلى نموذج أعمال يعتمد على العمالة عالية التأهيل والمهارة مرتفعة الأجر بحيث تصبح معظم فرص العمل التي يوفرها القطاع الخاص أكثر ملائمة للعمالة المواطنة. إن أي محاولة لحل معضلة تدني مساهمة العمالة المواطنة في سوق العمل دون التعامل الجاد والصادق مع هذا التشوه الخطير في سوق العمل السعودي الناتج عن فتح الباب على مصراعيه لتدفق العمالة الأجنبية غير المؤهلة على مدى عقود هي محاولة لا تملك أدنى فرصة للنجاح وتمثل تسويفاً لا يمكن قبوله أو تبريره. وللحديث بقية،،،