من الرمزيات ذات الدلالة على علو قدر -الشيخ- تركي بن عبدالله العصيمي -رحمه الله-، أنه لم تغره الدنيا -أبدًا-، ولا زخرفها الذي يتواصى به الشياطين، بل عاش لدينه، ووطنه، ومبادئه، واستثمر حياته بعد أن أيقن أن الدنيا زائلة، وأنها مرحلة تنقله -فيما بعد- إلى دار الآخرة؛ ليرحل بهدوئه المعتاد الذي أخفي خلفه قلباً كبيراً شعاره الطيبة، وروحاً نقية عنوانها التسامح، تتوخى ما يحسن، ويستطاب، وتتوقى ما يذم، ويعاب. لم يستذكرك أحد بسوء، ولا بشرّ، ولم تترك وراءك إلا كل خير؛ فاقترنت سيرتك بمشاعر من الإجلال، والاحترام -البالغين- عند القاصي، والداني؛ فعرفناك بكثرة استغفارك، وتهليلك، وذكرك. كما عرفناك بروح صقلتها البساطة على الفطرة السمحة، والإيثار النبيل، والأبوة الصادقة، والسجايا الكريمة؛ لتنضح وقارًا يكسوه تواضعًا، وهيبة مشوبة بأنس، وجلالًا يخالطه انبساط، وحكمة تحلى بها، ونبلًا تغلغل في كيانها، تعشق تعاليم الإسلام. لا يمكن لكلمات النثر جمعها في مقالة؛ لكنه جهد المقل؛ لنقف -اليوم- في محراب الحزن، بعد أن عانيت -أيها الشيخ الوقور- من مرضك -في الفترة الأخيرة- كثيرا؛ فصبرت، واحتسبت؛ ولنهلّ دمعة حرى؛ حزنًا على شيخ جاء ذكراه مع ريح الصبا حين، فانتشر في بساتينها الخضراء، وبين نخيلات الواحة الغناء جوده، وكرمه، وخلقه الرفيع، ووفاؤه المديد، وحسن معشره، وطيب قلبه، وصفاء سريرته؛ لنبكيه بأدمع سجام، ونندبه في كل مقام؛ لأننا افتقدنا دفأه، وحضوره المهيب، وحكمته، وأبوته الحانية. عندما تعظم الفاجعة تخونك ذاكرة البلاغة، ويُحار المرء في اختيار رسم المعاني، ويلجمني الصمت فوق أن يبلغه بياني، أو بناني، رافعين أكف الضراعة، بأن يرحمه الله، ويغفر له، ويرفع درجته في المهديين، وأن يجمعنا وإياه في جنات النعيم، وأن يجعل فيمن يخلفه من أبنائه خير خلف لخير سلف. وعزاؤنا أن صورته الباسمة، وروحه المرحة، سوف تكون -دائماً- حاضرة أمام ذاكرتنا، كلما مر طيفه بفكرنا، أو خطر رسمه ببالنا؛ لأنه في مقام الوالد محبة، وأدبا، ومشاعر زكية.