{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.. الرب المحيي المميت أنزل هذه الكلمات المشرقة ملجأ لذوي المصائب؛ لما جمعت من المعاني المباركة: الإقرار بالعبودية لله المالك المتصرف، والإقرار بالموت والبعث. من كرمه وجوده أنه تعالى رتَّب عليها نعمًا كثيرة: صلواته تعالى على عباده، التي هي: عفوه ورحمته وبركاته، والغفران والثناء الحسن.. وفي هذا أكبر تسلية، وأعظم دافع للصبر. في ليلة الخميس الموافق 23 - 12 - 1438ه انتقل إلى رحمة الله الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالله العبدان، صديق الكل، ومحب الجميع، عليه رحمة الله ورضوانه. سيرة الأستاذ عبدالرحمن من السِّيَر التي تستحق الذكر؛ لما اتصف به الفقيد من صدق الولاء لقيادته، والوفاء لوطنه، والنصح لمواطنيه، والإخلاص والتفاني في كل ما أُنيط به من أعمال ذات أهمية، ولما يتحلى به من حُسن خلق، وكريم طباع. والده فضيلة شيخنا الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العبدان العالم العامل الموفَّق في تعلمه وتعليمه، وفي قضائه ونفعه العام، اختاره الملك الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن - عليه رحمة الله - لمناصب رئاسية وقضائية عدة: في جنوب المملكة، وفي محافظتَي الزلفي وعنيزة.. وقد خلف وراءه آثارًا جليلة، وترك محبة وتقديرًا في النفوس - رحمه الله -. شقيقه الأستاذ عبدالعزيز - غفر الله له - تقلد أعمالاً عدة في داخل المملكة وخارجها، فأثبت كفاءة عالية، وصدقًا في الأداء. الأستاذ عبدالرحمن العبدان وُلد بمدينة بريدة، وتلقى تعليمه الأوليّ فيها. شقيقه عبدالعزيز وهو سعت همتهما فالتحقا بمدرسة دار التوحيد بالطائف، تلك الهدية الغالية التي قدمها الراعي الأمين الملك الصالح عبدالعزيز بن عبدالرحمن إلى شعبه - أحسن الله إليه - فاحتضنت الأبناء، وأهَّلتهم للتعليم العالي: لكلية الشريعة بمكة المكرمة. عبدالعزيز حال تخرجه من الكلية عُيِّن مديرًا للتعليم بمنطقة عسير، وعند تخرج عبدالرحمن كُلّف بإدارة تعليم منطقة جازان، ثم في الطائف، بعد ذلك تولى قسم الموظفين بوزارة المعارف، ثم كُلّف بتأسيس قسم التعليم الخاص، فأبدع في تأسيسه، وفي تأصيل مهماته. ولما أُنشئ المجلس الأعلى للإعلام برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية - عليه رحمة الله - اختار عبدالرحمن أمينًا عامًّا للمجلس، وبقي فيه حتى تقاعده، فكان مثالاً للموظف الجاد المنتج. الأستاذ عبدالرحمن العبدان صديقٌ وفيٌّ، ومن أعز الأصدقاء، وقد أحسن لي عندما كُلف برئاسة لجنة التقاعد مع المدرسين في سوريا عام 1390ه فرشحني عضوًا معه؛ فخبرته عن كثب، ووقفت عن قرب على مثاليته في الأداء، وحُسن التعامل مع الكل. الأستاذ عبدالرحمن لم يهبه الله أولادًا ذكورًا؛ فتقبل هذا راضيًا شاكرًا. لقد قال لي ذات مرة: العليم القدير لم يرزقني ذكورًا، لكنه عوَّضني بزوجتي أم نجاة، وبابنتي نجاة وأخواتها، فكُنَّ لي بنات في مقام الأبناء بالبر والخدمة - جزاهن الله خيرًا -. عزائي لزوجته العزيزة أم نجاة، ولكريماته نجاة وأخواتها، ولإخوانه وأولاد إخوانه، ولمحبيه الكثيرين الذين ضاقت بهم ساحات المسجد والمقبرة، ولعارفي فضله في البلاد كلها. أسأل الله تعالى له المقام الأعلى في الجنة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. ** **