مازالت الأيام ولاتزال رياحها تهب حزنا على قلوب الكثير من أبناء البشر - وكل ذلك بمشيئة الخالق جل ثناؤه - إيذانا برحيل العديد من أحبتهم، من آباء وأبناء وإخوان، بل ومن أصدقاء وزملاء.. مما جعل قلوبهم تفوح حرقة وحزنا لغيابهم الطويل الأبدي، وقد هاتفني الابن الأكبر للأخ الحبيب سعد بن ابراهيم العروان معزيا لي في وفاة والده -رحمه الله -، وهو يكفكف عبرات الحزن، وذلك صباح يوم الأحد 5-5-1437ه، حيث فرت روحه الطاهرة إلى جوار ربها قبل منتصف الليل بعد حياة حافلة بالسمعة الحسنة والذكر الجميل، لما يتمتع به من دماثة خلق، واستقامة في دينه، وحسن تعامل مع الغير..، وقد أديت صلاة الميت عليه بعد صلاة العصر في اليوم المذكور آنفا بجامع الحزم بحريملاء، ووسد جثمانه الطاهر الثرى : ولقد ولد - رحمه الله - في مدينة حريملاء عام 1342ه تقريبا، وعاش طفولته بين أحضان والديه، ومع إخوته، وكانت سمات هدوء الطبع ولين الجانب مصاحبة له طيلة حياته منذ أن شب وترعرع حتى غادر الدنيا حميدة أيامه ولياليه، وقد ختم القرآن الكريم في مدارس الكتاب بحريملاء، ولما كبر أخذ يشارك والده هو وأخوته في مزاولة بعض الأعمال الحرة التي تدر عليهم الشيء الكثير من المادة، مما جعلهم يعشيون عيشة كفاف وكرامة معتمدين على الله ثم على سواعدهم غير معولين على أحد، ولقد أحسن الشاعر حيث يقول: ومنذ عقود من الزمن طلبت من وزارة المعارف تعيينه للعمل معنا، حيث كنت مديرا لمعهد المعلمين، ثم مديرا للمتوسطة والثانوية منذ عام 1379ه، فوافقت مشكورة لحاجة المدرستين لأمثال -أبي محمد - فقام بعمله خير قيام حتى تقاعد، وكان حسن السيرة، محبوبا لدى الزملاء والطلاب، وقد تخلل تلك الحقبة الزمنية عدد من الرحلات المدرسية في شعيب حريملاء رحب الجوانب الآهل بكثافة الطلح والسمر، وخارجها مثل شعيب الشوكي ورياض التنهات وروضة خريم وما حولهما، ولاسيما في مواسم الربيع التي نحييها بالسمر والمساجلات، والقصص الطريفة، وكنا والأخ سعد -رحمه الله - وعدد من المعلمين نتسابق في جمع الحطب، واعداد طعام الغداء والعشاء، في جو فرح ومرح، وكانت تلك الآماسي ليالي جميلة أنسنا فيها متمنين عودتها، ولكن هيهات رجوعها: ومن الذكريات الجميلة التي لاتغيب عن الخواطر كثرة اجتماعنا بأبي محمد؛ أنا والأستاذ ناصر بن محمد المشعل، حتى وهو على سرير مرضه الذي لازمه مدة طويلة، ومع ذلك المصحف الشريف لا يقع من يده، فهو كثير التلاوة لكتاب الله العزيز، حتى آخر ساعات حياته، كما لا ننسى ذكرياتنا الحبيبة إلى قلوبنا مع شقيقه عبدالرحمن -أبو د.أبراهيم- أثناء تلقينا مبادئ العلم على يد فضيلة الشيخ عبداللطيف بن ابراهيم، وعلى أخيه سماحة مفتي الديار السعودية -آنذاك- الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ في مسجده بحي دخنه عامي 69/1370ه، فهو لايقل عن شقيقه سعد في سماحة الخلق وطيب النفس، - تغمدهما المولى بواسع رحمته ومغفرته-. وعلى أية حال فإن الذكريات معه يطول مداها، ويحسن بي أن اختتم هذه الكلمة الوجيزة بهذين البيتين: رحم الله الفقيد (أبومحمد) رحمة واسعة، وألهم ذويه وابنيه الكريمين محمد وعبدالرحمن وبناته الفضليات، وعقيلته أم محمد وجميع أسرة آل عروان، ومحبيه الصبر والسلوان.. (إنا لله وإنا إليه راجعون) عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء