مطلع عصرنا الحديث ناجى أمير الشعراء دمشق (الاسم/ دمشق الشيء: زيّنهُ) سلام من نهر بردى أرقّ ودمع لا يكفكف يا دمشق وكيف يكفكف! وهي تعاني من سنوات حالة تجرح المهجة ولا تبالي وهنا أنادي والحال تفيض ولا وميض يخفى أو يخفت أوار لهيبه مستبقاً عدو ذائقته وممتشقاً بتراتيل نزار عنها وهو يحتار مما يقرأ من يوم غازلها ولا غرو فهي الجميلة والقطعة الخميلة التي بقيت سرحاته لا تعدوها فكان أن أدلى ومن أقصى معاليقه منادياً (دمشق) فمن يعني؟ هل المكان أم أهله.. الذين قضوا ما قضوا قبل أن يُقضى على غالبهم بالذات من منهمُ قد حاكوا خطّ مسيرة/ البُعد والبين فأحدهم ذهب بلا اختياره وآخر انفرط خلف ظروف دنيا معاشه أو كأن رزقه خارجها فلم يجد بداً من الفراق .. هنا/ يسعف الشاعر أولئك ليقف مرتلاً بديع نظم يأخذ بمجامع المتابع فلا يجده إلا و(بلا اختيار) منه.. يردّ الصدى.. لأنه كأن قد أوتي ناصية تعبير يلامس ما تريد بلا تكلّف منه هكذا أودع ملكة شعر تشغف القلب واللب معاً، بل والذائقة التي على سعة أبعادها إلا وهي تقف لتنصت.. حين ينادم تلك المدينة ويطرحها بغزل كله (قبلّ) نثرت على ثراك الطاهر الهدبا فيا (دمشق) لماذا نبدأ العتبا إلى درجة أن مثّلها ب.. أنتِ النساء جميعا ما من امرأة أحببت بعدكِ إلا خلتها كذبا لأنها هي التي حملت من آثار الأمويين الكثير، في مقدمتها جامعها الكبير.. الذي حمل ذات الاسم (الجامع الأموي) الذي أوجز عنه.. ومن جنباته تقطن/ دورُ دمشقَ تسكنُ في خواطرنا مآذنها.. تضيءُ على مراكبنا كأنَّ مآذنَ الأمويِّ.. قد زُرعت بداخلنا.. كابن بين يدي (أمه) تكلم الصغير الخجول في إدلاء عما أخفى من أسباب البعد التي لم يبح كثيرًا أن ذاك خيارٌ ليس بيده .. أو (زوجة) باسطا إليها قرابين الاعتذار لنأيه الذي هُجّر ولم يهاجر فدفع لها ما يمكن أن تنسى مدى البعد ومسافات البين، يملي أن عساها تصفح عنه أو (ابنة) يرى في عينيها ملامة لطول انتظار (وهي لا تدرك) الموانع التي حالت بينهما.. هذا حال الابن (العاشق) والمعشوقة ( دمشق): نثرت على (ثراك الطاهر) يا الله إلى أي درجة يبلغ ليستعطف، بالذات تعبيره ب(الطاهر..) أي مثل: طهارة قلب الأم.. الذي يحمل حبًا صافيًا لا تكدره مع الأيام الدلاءُ ولك أن تتصور كيف يرسل هذا المعاذير من بعيد مكان.. فيما هو قريب الوجدان أو شاهر التوجّد عليها من غير أسرار لما يكنه لهذه التي أشرقت عيناه على الدنيا من خلال ياسمينها التي ترتوي من (سبع بحرات) سلاماتٌ.. سلاماتٌ.. إلى بيتٍ سقانا الحبَ والرحمة إلى أزهاركِ البيضاءِ.. فرحةِ «ساحةِ النجمة» ف.. أروقة (المزرعة) القابعة تتناهد سفح (قاسيون..) ذاك الشامخ من غربيّ دمشق فيمتد إلى أطراف جنوبها من (الهامة) التي شقها وادي بردى وهو يصب في أحد مساربها (العين الخضراء) بخاصة وهو تطفو منابعهُ من عين (الفيجة). كأنَّ مشاتلَ التفاحِ.. تعبقُ في ضمائرنا كأنَّ الضوءَ، والأحجارَ جاءت كلّها معنا.. هنا. يلزمك (إن أوتيت مفاتيح الكرماء) أن تعذر فهي (المدينة..) لا تبعد عن أن تكون (آلاماً) وما يحفل قلبه حيالها وما يلفى من (أوصاب) دنيا بعد بُعدٍ عساها له زلفى إلى ملتقاها: وكما تقدم بعدة صيغ ما تحتويه (الأنثى) للرجل/ فرشتُ فوقَ ثراكِ الطاهرِ الهدبا فيا دمشقُ... لماذا نبدأ العتبا؟ خطابه لها (البنت): حبيبتي أنتِ... فاستلقي كأغنيةٍ على ذراعي، ولا تستوضحي السببا خطاب (الزوجة): أنتِ النساءُ جميعاً.. ما من امرأةٍ أحببتُ بعدك..ِ إلا خلتُها كذبا ثم يبدأ بعرض المواجع.. بالأخص وهو يصدح من غربة -في لندن- طالت بلا اختيار منه/ يا شامُ، إنَّ جراحي لا ضفافَ لها فامسحي عن جبيني الحزنَ والتعبا وها هو إليها ينفث ما خبئ داخله لها من ذكرى بتأوهات تأتي على بنيان الصبر من قواعده / وأرجعيني إلى أسوارِ مدرستي وأرجعي الحبرَ والطبشورَ والكتبا تلكَ الزواريبُ كم كنزٍ طمرتُ بها وكم تركتُ عليها ذكرياتِ صبا وكم رسمتُ على جدرانِها صوراً وكم كسرتُ على أدراجها لُعبا فما بقي أو أبقى سوى أحزان داخله تعتصر كاتمها لوقار السن والحياء أن يرى على تراقيه أثراً من دموع فضلا عن بكاء لا ينبغي لمن ماثل سنه وتجربته بالحياة أن ينخّ!! فصاحبنا كما عبّر: ** **