ألْسِنَةُ اللهب المنبعثة من البرج السكني المشتعل في غربي لندن، أعادت من جديد الحديث عن مخاطر إهمال قواعد السلامة في الأبراج والبنايات الشاهقة. ففي الحريق المأساوي الذي وقع الأسبوع الماضي في لندن والذي ذهب ضحيته عشرات القتلى والمفقودين والجرحى، قيل إن أحد الأسباب المحتملة التي أعاقت عمليات الإطفاء والإنقاذ وجود خلل في احتياطات السلامة في البناية. كان منظراً محزناً وفاجعاً أن يشاهد الناس بناية تضم سبعة وعشرين طابقاً تلتهمها النيران لساعات عديدة، دون أن يتمكن أحدٌ من إطفائها وإنقاذ عشرات الناس الذين أحاطت بهم النيران من كل جانب. هذا المنظر المحزن يدفعنا إلى التساؤل عن احتياطات السلامة في تصميم وتجهيز الأبراج والبنايات الشاهقة التي بدأت تنتشر في مدننا الكبرى وحتى في بعض المدن الصغيرة. فإدارات الدفاع المدني عندنا تقوم بجهود كبيرة وبطولية، ومنسوبوها يُعَرِّضون أنفسهم باستمرار للخطر من أجل إنقاذ حياة الناس في الأماكن التي تشب فيها الحرائق، ولكن تزايد أعداد الأبراج والبنايات العالية يضيف أعباءً جديدة على رجال الإطفاء، ربما لم يتعودوا عليها سابقاً، ويدفعنا إلى التساؤل عن مدى جاهزيتنا لو وقعت مثل تلك الحوادث عندنا لا سمح الله. لقد نشرت الصحف ووسائل الإعلام تفاصيل كثيرة عن حادثة الحريق في البرج اللندني، وتكاد تتفق على أن الطبيعة الهندسية للبرج كانت أحد الأسباب الرئيسية في عدم القدرة على احتواء الحريق وتقليل الخسائر. فإذا كانت مثل هذه الحادثة المأساوية قد وقعت في لندن، وهي المدينة التي تعج بالأبراج العالية ولدى أجهزة دفاعها المدني خبرة طويلة في هذا المجال، فماذا نقول نحن الذين لا نملك مثل تلك الخبرة؟ نحن نعلم أن الحرائق تقع لأسباب كثيرة، ومن ذلك الإهمال والأخطاء الفنية الكهربائية، بل إن بعضها يكون متعمداً، وإدارات مكافحة الحريق في كل مكان تعرف ذلك. غير أنّ وقوع هذه الحرائق في المباني الشاهقة أو في الأحياء الشعبية الضيقة التي يصعب على سيارات وآليات الإطفاء اختراقها تفاقم المشكلة وتعيق جهود الإطفاء. نسأل الله ألاَّ يجد رجالُ دفاعنا المدني أنفسَهم في مواجهة تجربة من هذا النوع، لكن الحريق الذي وقع في لندن يتطلب مِنَّا أخذ العبرة والتَّعَلُّم من هذا الدرس القاسي. وأجزم أن ذلك ليس بخافٍ عن المسؤولين في المديرية العامة للدفاع المدني.