في اللحظة التي يرى الحقيقة تكون التفاصيل قد تسرّبت كالماء من بين أصابعه.. لم تَعُد للبحر .. لم تتبخر إلى الفضاء لتأتيه مطراً.. لم يبتلعها التراب لتخرج من مسامه في شكل جدول يستروح بنداه .. ولا في فوَّهة نبع, ولا في جب بئر, ولا في عينٍ تكتنز برواء كما لا تتكوّم في عينيه دموعاً.. ولا في فمه بصاقاً.. ولا ثمة صفة تتجسّد بين يديه !! لأنها تتبدّد بين تفاصيل أخرى في واقع ناموس أزلي أن لا شيء البتة ينتهي, ولا فراغ أبداً يفرغ من شيء!!.. وأنّ كل شيء يقيناً يبقى, وإن كان خارج نطاق مدركاته, ومقدَّراته هذا المرء!!.. في اللحظة التي سيعرفها تغادر فضاءه الملموس هذه الحقيقة بكامل قِوامها الممشوق في وجه الشمس يتلألأ, المتصدر مكمن الفكر يطرق بعنوة , لا يؤنب, لا يلوم, لا يعطي أية وجهة في مضماره, لا يشكّل أي لون في مرسمه, لكنه ينوف خارج يديه, بعيداً بعيداً عن قدرته أن يفعل شيئاً!!.. قِوام الحقيقة بثقله لا يغيب في عين الشمس, ولا يختبئ في حلكة الظلام, لكنه في الشمس مطرقة , وصولجان, وفي الظلام مارد, متسيِّد, مُهابٌ !!.. في اللحظة التي تحضر في المضمار يكون هو قد خسر كل أوراقه, وحجته, وسبلَه, وسلامه يرخى جناحيه يجلس عند منعطف الطريق يأخذ صوته يموِّل إيقاعاً مهزوماً, تغالبه دموعه, تفلت من بين جنبيه آهته!! هو ذا الإنسان حين يكابر, تهزمه الحقيقة فيتصاغر!!