رغم مضي أكثر من ثلاثة أسابيع على تسنم الرئيس ترمب منصبه، إلا أن مجلس الشيوخ لم يقر إلا أقل من نصف أركان ادارته، وحتى من أقر مجلس الشيوخ تعيينهم، فإن ذلك كان لضرورات تتعلق بالأمن الوطني، مثل وزير الأمن القومي، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، ووزيري الدفاع والخارجية، وسبب هذا التأخير هو حالة الإنقسام الحادة في مجلس الشيوخ، والتي تعد انعكاسا للانقسام الشعبي، بعد فوز ترمب بالرئاسة، ورغم أن الجمهوريين هم الأغلبية في مجلس الشيوخ، إلا الديمقراطيين قادرون على التعطيل والتأجيل، خلال استجواب مرشحي ترمب، وحجتهم في ذلك، هي أن ترمب رشح لإدارته مجموعة من أصدقائه الأثرياء، ممن يتفقون معه ايدولوجيا، وهي حجة لها ما يسندها، فمعظم مرشحي ترمب هم من أصحاب المليارات، مع التأكيد على أن الأمر لا يخلو من مناكفات حزبية. امتد هذا الصراع الحزبي، بين الجمهوريين والديمقراطيين، عندما رشح ترمب قاضيا للمحكمة العليا، وهو القاضي نيل كورفش، قاضي الإستئناف في مدينة دنفر، بولاية كولورادو، وهو قاضي محافظ جدا، وهذا الترشيح لا بد أن يقره مجلس الشيوخ، وذلك لأهميته، حيث إن منصب قاضي المحكمة العليا يستمر مدى الحياة، ما لم يطلب القاضي الإعفاء، أو يتوفى، أو يرتكب جريمة الخيانة العظمى، وكذلك لأن المحكمة العليا تعتبر جزءا من الحكم المؤسساتي لأمريكا، بجانب الجهة التشريعية، الكونجرس بشقيه ( النواب والشيوخ)، والجهة التنفيذية، أي الرئيس، ولم يكن هذا الترشيح خبرا جيدا للديمقراطيين، فتعيين قاضي محافظ في المحكمة العليا، يعني ترجيح كفة القضاة المحافظين في المحكمة، وإمكانية نقض تشريعات، سعى الليبراليون طويلا لإقرارها، مثل إباحة الإجهاض، وكذلك سن تشريعات محافظة، لا تروق لتيارات الوسط واليسار الليبرالي. هناك أيضا أمر آخر، يزيد حدة الصراع الحزبي، بخصوص ترشيح ترمب لقاضي محافظ للمحكمة العليا، فقبل حوالي العام، توفي عضو المحكمة العليا المحافظ، انتوني سكاليا، ثم وحسب الدستور، رشح الرئيس اوباما القاضي المعتدل، ميريك قارلاند، ليحل محله، ولأن اوباما كان في سنته الرئاسية الأخيرة، ولأن المحافظين الجمهوريين لا يريدون أن يحل قاض معتدل محل قاض محافظ، فقد تولى عضو مجلس الشيوخ الجمهوري المحافظ، ميتش ميككولين، وزملائه المحافظون في المجلس، مسؤولية تعطيل ترشيح اوباما، وقد نجحوا بذلك، ويعتقد الديمقراطيون أن الجمهوريين سرقوا منهم هذا المقعد في المحكمة العليا، عندما عطلوا اجراءات مرشح أوباما، حتى يتم انتخاب رئيس جمهوري، وهو الأمر الذي حدث بالفعل. لن تكون مهمة الجمهوريين سهلة في إقرار مرشح ترمب للمحكمة العليا، فالديمقراطيون يتوعدون بمعركة طويلة، وشرسة، وبإمكانهم فعل الكثير للتعطيل والتأجيل، رغم أنهم هم الأقلية، وهنا يتبين أن معارك الجمهوريين والديمقراطيين ستكون مضاعفة مستقبلا، فهناك استجوابات بقية أركان ادارة ترمب، الذين لا زالت إجراءات اقرار تعيينهم في مجلس الشيوخ، وهناك قاضي المحكمة العليا، وهناك الكثير، مما سيفاقم هذا الصراع الحزبي، والذي رغم أنه ليس بجديد، إلا أنه أكثر حدة وشراسة هذه المرة، وسنتابع كل ذلك بكل تأكيد!.