طغى انقسام حاد في الوسط الأميركي وظهرت ملامح أزمة دستورية بين البيت الأبيض والقضاء، إذ بعد إقالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزيرة العدل بالوكالة سالي ييتس، في أول خطوة من هذا النوع منذ العام 1973، تعهدت ولاية ماساتشوستس التصدي للأمر التنفيذي حول إجراءات حظر السفر التي رفضت ييتس الدفاع عنها كمدعية عامة فيديرالية. وتصاعدت المخاوف من «حملة تطهير» يشنها ترامب في أوساط القضاء وأجهزة إنفاذ القانون بعد إقالة ييتس، وهو التطور الذي عمق الشرخ بين الديموقراطيين والجمهوريين حول مرسوم ترامب للحد من الهجرة. (للمزيد) تزامن ذلك مع محاولة ترامب تعيين قاضٍ في المحكمة العليا، لتغيير المعادلة في المحكمة وقلب الطاولة على خصومه الديموقراطيين الذين يواصلون عرقلة المصادقة على تعييناته الوزارية، ما جعل إدارته غير مكتملة. وسارت تظاهرات في مطارات أميركية عدة، وتوجهت القيادات الديموقراطية في الكونغرس ليلاً الى مبنى المحكمة العليا، السلطة القضائية الأعلى في البلاد، حيث أضيئت شموع تنديداً بخطوة ترامب. وقال زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، إن إقالة ييتس تعيد الى الأذهان شبح رئاسة ريتشارد نيكسون وما يعرف ب «المجزرة» القانونية، حين طرد الرئيس المعزول المدعي العام في 1973 في أوج فضيحة «ووترغيت». وكانت وزيرة العدل بالوكالة أمرت المدعين بعدم الدفاع عن مرسوم ترامب الذي منع الهجرة من سبع دول ذات غالبية مسلمة. وقال البيت الأبيض في بيان إن ييتس «خانت وزارة العدل برفضها تطبيق قرار قانوني يرمي لحماية مواطني الولاياتالمتحدة». وأقال ترامب كذلك، المسؤول عن إدارة الهجرة والجمارك دانيال راغسديل الذي عُين أيضاً في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وعين في مكانه توماس هومان. وقال وزير الأمن الداخلي جون كيلي في بيان إن هومان «سيعمل على تطبيق قوانيننا حول الهجرة على اراضي الولاياتالمتحدة بما يتفق والمصلحة الوطنية». في الوقت ذاته، تمردت المدعية العامة لولاية ماساتشوستس مورا هيلي على الأمر التنفيذي لترامب، ووصفته بأنه «غير دستوري». وقالت هيلي، وهي ديموقراطية في تغريدة على «تويتر»، إن مكتبها سينضم إلى دعوى قضائية في محكمة فيديرالية تطعن في الحظر. وأوقفت قاضية فيديرالية في بوسطن حيث مطار «لوغان» الدولي تنفيذ أمر ترامب لمدة سبعة أيام. وستحذو ماساتشوستس حذو ولاية واشنطن التي أعلنت إنها سترفع دعوى في محكمة فيديرالية تطعن في الأمر التنفيذي على أسس دستورية. وعكس لجوء ترامب الى إقالة مناهضيه من المسؤولية، نهجاً متشدداً يهدف الى تركيز النفوذ في البيت الأبيض حول مستشاري ترامب وليس في وزارات الأمن الداخلي والعدل والدفاع والخارجية. وأشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» الى خلافات بين وزير الأمن الداخلي جون كيلي ومستشار ترامب المتشدد ستيف بانون، فيما كتبت «نيويورك تايمز» افتتاحية بعنوان «الرئيس بانون» انتقدت النفوذ الكبير للمستشار اليميني، واعتبرته خطراً على الديموقراطية الأميركية. وانعكس هذا النهج في الأيام الأولى من ولاية ترامب بقرارات حادة بدأت بإلغاء قانون «اوباماكير» للرعاية الصحية ثم بناء جدار مع المكسيك، وصولاً الى إجراءات الهجرة. وواجه مرشح ترامب لتولي وزارة العدل جيف سيشنز جلسة استماع ساخنة وصعبة في مجلس الشيوخ. كما قاطع الديموقراطيون جلسات استماع للمرشحين لوزارتي الخزانة ستيف مانوشن والصحة توم برايس، ما يعني تعطيل التصويت للمصادقة على تعيينهم، واستمرار الفراغ في الإدارة. واستبق الديموقراطيون إعلان ترامب اسم مرشحه لقاضي المحكمة العليا خلفاً للمحافظ أنتوني سكاليا بعدما رفض الجمهوريون خلال ولاية الرئيس باراك أوباما تعيين الديموقراطي مارك غارلاند في مكان سكاليا المتوفى. وتوعد الديموقراطيون بالمثل، تعطيل وصول أي مرشح يقترحه ترامب ومنعه من حصد الأصوات الستين لتولي المنصب (خصوصاً أن لدى الديموقراطيين 48 مقعداً). وفتح الترشيح أفق معركة ساخنة في الكونغرس، مع تلويح زعيم الغالبية الجمهورية ميتش ماكونيل إلغاء المرسوم الذي يتطلب 60 صوتاً لتعيينات كهذه وتمريرها بغالبية 50 صوتاً. وكان الخلاف دار حول أبرز الأسماء المرشحة وهم القضاة نيل غورساك وتوماس هارديمان وويليام برايور. واعتبر غورساك وهارديمان من الأسماء الأقل تشدداً من سكاليا، وهو ما أغاظ اليمين المحافظ وأرضى المعتدلين. وتعتبر تعيينات المحكمة العليا من أهم القرارات التي يتخذها أي رئيس أميركي، وكونها الهيئة القانونية الأعلى في البلاد، وهي منقسمة اليوم بالتوازي بين أربعة قضاة للديموقراطيين وأربعة للجمهوريين، ما سيرجح الكفة لليمين في حال المصادقة على أي قاضٍ يرشحه ترامب.