في خبر مقتضب وغريب، أعلن عن وفاة عضو المحكمة العليا الأمريكية المحافظ جداً، أنتونن سكاليا، وهي وفاة مفاجأة، إذ كان يقضي إجازة في استراحة خاصة، في ولاية تكساس، وقد ضجت بعض وسائل الإعلام، خصوصاً الصفراء منها، وتساءلت عما إن كانت الوفاة طبيعية، أو أنها بفعل فاعل، ولا عجب في أن ينشب جدل واسع، فأهمية هذا القاضي تنبع من أهمية المحكمة العليا ذاتها، فهي إحدى السلطات الثلاث، التي تحكم الإمبراطورية الأمريكية، والسلطتان الأخريان هما الرئيس الأمريكي، والكونجرس، فالنظام السياسي الأمريكي لا يتيح لشخص، أو جهة واحدة أن تتحكم بالقرار، وهذه هي إحدى تجليات الآباء المؤسسين لأمريكا، قبل أكثر من قرنين من الزمان، ولعلكم تذكرون أن المحكمة العليا هي التي قررت فوز الرئيس جورج بوش الابن بالرئاسة، وذلك عندما حصل خلاف كبير حول عدد أصوات الناخبين، الذين صوتوا لبوش، وللمرشح الديمقراطي آل قور، في ولاية فلوريدا، في انتخابات الرئاسة عام 2000، وفي نهاية المطاف حسمت المحكمة العليا الأمر لصالح بوش الابن! المحكمة الأمريكية العليا تضم تسعة أعضاء، يتم ترشيح أحدهم من قبل الرئيس، ثم يتم قبول الترشيح، أو رفضه من قبل الكونجرس، في إجراءات معقدة وطويلة جداً. والتركيبة الحالية للمحكمة تضم خمسة من المحافظين، وأربعة من ذوي التوجهات الليبرالية المعتدلة، وبالتالي فإن عضو المحكمة المحافظ، انتونن سكاليا، تعني أن التركيبة متعادلة الآن، بين الليبراليين والمحافظين، ويحق للرئيس أوباما - دستورياً - أن يرشح قاضياً بديلاً، ولكن الجمهوريين المحافظين في الكونجرس أعلنوا أنهم سيطالبون بتأجيل ذلك، حتى يتم انتخاب رئيس جديد، وهم يأملون أن يكون الرئيس الجديد جمهورياً، ليرشح قاضياً محافظاً للمحكمة العليا، بديلاً للقاضي المتوفى، وفي ظل إصرار أوباما على ممارسة حقه الدستوري في انتخاب قاض جديد، فإن المتوقع هو أن يرشح قاضياً ليبرالياً معتدلاً، وهو الأمر الذي سيعرقله الجمهوريون في الكونجرس بكل تأكيد، لأن هذا يعني هزيمة منكرة لهم، إذ ستصبح كفة المعتدلين هي الراجحة في أعلى سلطة قضائية في الولاياتالمتحدة. لا ندري ما الذي سيحدث، ولكن المؤكد هو أن وفاة عضو المحكمة العليا المحافظ سيؤثر على مسيرة الانتخابات الرئاسية القادمة، إذ من المحتمل أن تتم عرقلة مرشح أوباما للمحكمة العليا، ما يعني أن الناخب الأمريكي، عندما يصوت للرئيس القادم، في نوفمبر 2016، سيضع نصب عينيه هوية عضو المحكمة العليا القادم، ما يعني أن هوية الرئيس القادم ستكون محكومة - جزئياً على الأقل - بهوية عضو المحكمة العليا القادم، فلنترقب ونتابع.