حين يخسر أحدنا مالاً، أو يفقد وظيفة، أو يخفق في امتحان أو مقابلة شخصية، أو يفقد عزيزًا، أو يُصاب بمرض عابر، يندب ويحاصره الجزع من كل مكان، وكأنما الدنيا انتهت وأظلمت من حوله، بينما المهندس سلطان العذل الذي أصيب قبل ستة عشر عامًا بمرض التصلب اللويحي العضلي الجانبي، وفقد خلالها القدرة الكاملة على الحركة والنطق باستثناء حركة العينين والشفتين، تخيل -عزيزي القارئ- هذا الرجل الذي فقد جميع حواسّه عدا السمع والبصر والإحساس، ويتنفس منذ عام 2002، من خلال أنبوب تنفسي موصول بجهاز تنفس صناعي، ويتغذى من خلال أنبوب تغذية يصل إلى المعدة بفتحة، ومع ذلك لم ينكفئ ويموت كمدًا وحزنًا، بل بقي كما هو وأكثر، يقود نحو عشر شركات، ويشرف على نحو عشرة آلاف موظف وموظفة، وبيته العامر مفتوح للضيوف والزوار، قبل ذلك قلبه مفتوح للجميع. ألا يجب علينا، وعلى من يتباكى ويحزن لأسباب حياتية ومعيشية تافهة، أن يتوقف عند هذا النموذج الرائع الذي قضى معظم حياته سليمًا صحيح الجسم والحركة، مقبلاً على الحياة، دارسًا في أمريكا، قائدًا لشركات أصبح وكيلها، مثل دانكن دونات، وفيدكس، وغيرها، ثم بعد مرضه لم يكتفِ فقط بإدارة هذه الشركات فحسب -رغم صعوبة الأمر على من لا يمتلك إرادة سلطان العذل- وإنما قام بإنشاء شركة جديدة هي شركة مأكل العالمية، وأنجز كتابًا مهمًا عن حياة جده، أحد رجالات الملك عبدالعزيز، والمدهش أنه أنجز الكتاب بعينيه، حيث ثمة جهاز يحيل لغة البصر إلى كلمات، وهو مبتكر للمرضى الذين فقدوا القدرة على الحركة والنطق، هذا الكتاب المكون من ألفي صفحة، يثبت أن إرادة الإنسان لا حدود لها، وشغفه بالحياة والعمل مذهلة! إن ثلاثة عوامل مهمة يجب أن نتعلمها من تجربة المهندس سلطان العذل، هي الرضا بالقدر وعدم الجزع مما كتب الله علينا، والثقة بالله سبحانه وتعالى وبفضله علينا، والإدارة الصلبة المدعومة بطموح لا حدود له.. هذه العوامل هي التي حققت التوازن لهذا الرجل، وجعلته يستمر في تحقيق النجاح تلو الآخر، وهي ما يجب أن نتمثلها دائمًا، بعيدًا عن الجزع والفزع مما يكتبه الله، وبعيدًا عن الحزن على الماضي، والقلق على المستقبل.