سنوات مع «المعاناة» مرت على الشاب محيي الدين، بعد أن تسلل المرض تدريجياً، من الرأس إلى الضعف في النظر وعدم التركيز، ثم الانتقال إلى اليدين والقدمين، من تنمل الأطراف، وارتعاشها الدائم، وصعوبة الحركة، ثم أصبح الجسم كله يرتعش، وتزداد حاله سوءاً بين فترة وأخرى.هذا الشاب الثلاثيني، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة بين سكان بقيق، «طيبته وأخلاقه الرفيعة»، لم يعد يُرى في شوارع مدينته، إلا حين يكون ذاهباً إلى المستشفى، أو عائداً منها إلى منزله المستأجر، حيث زوجته وأبناؤه الأربعة. وعمل محيي الدين منذ الصغر مع والده في محل صغير لبيع الأواني المنزلية، وتعلم كيفية التعامل مع الزبائن والبيع، ولكن تجارته البسيطة توقفت، بعد أن احتل مرض «التصلب اللويحي» جسده. وبعد صمت طويل، وهو يكتم دمعته، نطق أبو محمد أخيراً، قائلاً: «والدي رحمه الله الذي توفي منذ عشرة أشهر، حزن كثيراً عندما علم بإصابتي بالمرض، وكان بجواري دائماً ويشجعني كثيراً، ولم أنس كلمة كان يرددها لي منذ طفولتي، وهي «عز نفسك بنفسك، ولكن المرض لم يتركني أنفذ ما طلبه مني، فقد جعلني أرتعش، وشل حركة قدمي». ينظر محيي الدين إلى أبنائه الأربعة، محمد (14 سنة)، الذي يعاني من عدم القدرة على النطق وتشتت الذهن منذ ولادته، وهناك شهد (9 سنوات) ويوسف (4 سنوات)، وعبد العزيز (3 سنوات)، ينظر إليهم ويود أن يلاعبهم ولكن لا يستطيع. ويكمل: «منذ وقعت في شباك المرض لم تفارقني زوجتي، فهي نور الأسرة وعمادها، فهي تتولى تربية الأبناء، كما تقوم بدور الممرضة، لتساعدني عند تنقلي من فراشي إلى الكرسي المتحرك، وتقدم لي الأكل والشرب، وهي تهدئني بكلامها اللطيف، وتطمئنني بأنني سأعود إلى حياتي الطبيعية». ويعيد دفة الحديث إلى المرض، «اللويحي حبسني ومنعني من الخروج من المنزل منذ سنتين». وتزداد معاناة أبو محمد لسكنه في شقة في الدور العلوي، «لا أستطيع الخروج، ويتقطع قلبي عند سماع الأذان وقت الصلاة، وأتمنى أن أزحف من المنزل إلى المسجد، لأصلي مع الجماعة». وعلى رغم مرضه وحزنه وعجزه حتى عن القيام بأبسط أموره الحياتية، إلا أن اليأس لم يجد طريقاً إليه، وهذا ما جعله يواصل بمساعدة زوجته الاتصال في شكل دائم بالمستشفيات، بحثاً عن العلاج. ويوضح: «راجعت احد المستشفيات في الدمام، واخبرني المستشفى أن التصلب اللويحي المتعدد مرض مزمن، يؤثر في الجهاز العصبي المركزي وعلى الحركة والتوازن والإحساس، وهو يتطور مع الزمن، والعلاج الوحيد المتوفر حالياً هي حقن «الانترفيرون»، التي تؤخذ في شكل منتظم مدى الحياة»، مستدركاً: «هذه الإبرة غالية الثمن، إذ يتجاوز سعرها 100 ألف ريال سنوياً. ويصعب عليّ شراؤها مباشرة، بسبب إمكاناتي المحدودة. وأخذ الإبرة يوماً بعد آخر، وكلفة الإبرة الواحدة ألف ريال، وقد حقنت ب36 إبرة على حساب إحدى شركات التأمين، ولكنها أمرت لاحقاً بوقف العلاج». ويتابع: «بسبب المرض أصبحت عاطلاً عن العمل، ما انعكس على معنوياتي». ويتوقف عن الكلام وتنحدر دموعه، مكرراً: «الحمد لله على ما كتبه لي». ويردف: «اتصلت بطبيب في مصر، وأخبرني عن وجود علاج، استفاد الكثيرون منه، ورجعوا إلى حالهم الطبيعية، والقليل منهم لم يستفيدوا، وهو عبارة عن جراحة منظار في الرأس، وكلفة الجراحة نحو 30 ألف ريال، بخلاف المصاريف الأخرى، من تذكرة الطائرة، والسكن». ويناشد محيي الدين أهل الخير والإحسان، الوقوف معه في محنته، ومساعدته في توفير متطلبات العلاج، كي يعود إلى أبنائه وزوجته وحياته الطبيعية التي افتقدها وغابت معها السعادة.