السؤال الذي يطرح نفسه عندما يدور الحديث عن داعش: كيف استطاعت هذه الحركة الشيطانية المتسربلة بسربال السلفية، أن تتجاوز كل هذا الهجوم الإعلامي المضاد القوي والعنيف على جرائمها، وتَنفُذ إلى المسلمين في كل أرجاء العالم، لتُجند الأتباع؟ .. بمعنى آخر ما هي أدوات داعش للتواصل مع الناس، ونجاحها في استفطاب بعضهم، كجنود لها لتنفيذ أجنداتها؟ إجابة هذا السؤال المباشر هي وسائل الاتصال الاجتماعي على الإنترنت. ولا بد هنا من الاعتراف أن داعش حققت اختراقًا قويًا، وتصدت بقوة لكل وسائل الإعلام التقليدية المقروءة والمسموعة والمرئية. ولا بد من الاعتراف -أيضًا- أن وسائل الإعلام العربية ما زالت تعاني من تخلف عن التماهي مع سقف الحريات التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي، التي سيطرت على الإعلام المعاصر، وطرحت نفسها كوسيلة جديدة وسريعة التفاعل، وحيوية، بالشكل الذي لا يستطيع الإعلام التقليدي مجاراتها. فمثلاً الرئيس ترمب استطاع من خلال الإعلام الجديد وخاصة تويتر أن ينتصر، ويهزم الإعلام التقليدي، رغم أن ذلك الإعلام كان في الغالب مناوئًا له. وهذا أفضل مثال حي على تفوق الإعلام الجديد. داعش في تقديري مثال آخر لتفوق الإعلام الجديد على الإعلام التقليدي الذي تصدّى لداعش، لكنها انتصرت عليه. سرعة وحيوية بتقليل (الكم) وتغيير (الكيف). وأعني هنا ب(الكم) أن تويتر تقدم المعلومة مختصرة، بل وفي غاية الاختصار، في عبارات مضغوطة وجيزة لا تتجاوز 140 حرفًا فقط، في حين أن الإعلام التقليدي يستغرق لإيصال المعلومة أضعافًا مضاعفة من الكلمات والعبارات مقارنة بما يقدمه تويتر. لذلك اتجه الناس بجميع أعمارهم وفئاتهم إلى تويتر بسبب هذا (الكم) الوجيز، مستعيدًا المثل العربي الشهير (خير الكلام ما قل ودل). أما (الكيف) فهاتف الجوال اليوم لم يعد يقتصر على التواصل الصوتي بين طرفين يتحدثان فحسب، كما كان الهاتف في السابق، بل أصبح كذلك وسيلة سهلة وسريعة للحصول على المعلومة، أيًا كان نوعها، والبحث عن صدقيتها بيسر وحرية وسرعة بشكل لا يستطيع الإعلام التقليدي مجاراته، خاصة من حيث السرعة والحرية. لذلك فإن محاصرة داعش، والتعامل مع (إعلامها) بفاعلية، يتطلب مجارات مفاهيم الإعلام الجديد، بشكل يجري فيه توضيف تويتر، وكذلك تقنية الصورة والجرافيك، بشكل محترف وعلمي؛ كذلك متابعة رسائل داعش الدعوية من خلال الإعلام الجديد، والتعامل معها، والرد عليها، وتفنيد مزاعمها بمهنية. إننا - أيها السادة - نتعايش مع عصر إعلامي جديد، عصر يفرض علينا وسائل إعلامية حديثة، لا يعترف بالأسوار، ولا يحتاج لأن يحصل إلى أذونات، وأفضل الطرق لمواجهته مواكبته، وعدم المكابرة، والرضوخ لشروطه بواقعية وموضوعية، أما الإصرار على مواجهته (فقط) بأساليب الماضي الإعلامية، فسينتصر وينتشر ويفرض منطقه في التحليل الأخير، فداعش هي في نهاية المطاف ظاهرة إنترنتية عالمية، رغم تخلف وماضوية مضامين خطابها الدعوي، ولن نحاصرها إلا بسلاحها. إلى اللقاء