تواجه وسائل الإعلام التقليدية، وبالذات المقروءة منها، تحديّاً حقيقيّاً في عصر أصبح التواصل الإعلامي فيه يختلف اختلافات جذرية عن ذي قبل. تويتر والفيس بوك وسيلتان إعلاميتان لا تتقيدان بأية ضوابط وقيود؛ ومهما حاولت وسائل الإعلام التقليدية أن ترفع سقف حرية النشر فإن شبكات التواصل الاجتماعية تظل هي الأعلى سقفاً، وبالتالي الأقدر على جذب القارئ حتى وإن كانت تعوزها الصدقية. ومن يظن أن بإمكانه اليوم التعتيم على المعلومات، أو التضييق عليها، أو التحكم فيها، إما بفرض قيود جديدة على النشر أو على سقف الحريات، فسوف يفشل قطعاً. بشار شوّش على العربية وعلى الجزيرة، وحجب كل مواقع الإنترنت تقريباً، فهل منع الإعلام من أن يصل إلى بلاده؟.. المعلومات اليوم من خلال الإعلام الجديد أصبحت كالطيور المهاجرة لن تقف عند مفتش الجمارك، ولن تذهب إلى سفارات الدول تطلب تأشيرة دخول، ولا حل إلا أن تتعامل مع العصر بشروط اليوم وليس بشروط الماضي، بمنطق ابنك لا بمنطق جدك؛ فعقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، ولن تعود إلا إذا كانت هذه الساعة خربة لا تعمل، أو أنك تحرك عقاربها بيديك؛ في هذه الحالة فقط تستطيع أن تتحكم بعقارب ساعتك، لكن ليس بساعات الآخرين؛ أيّ أنك تبيع نفسك وهماً، ثم لن تلبث إلا وتكتشف أن العالم قد مضى وتركك وحيداً تسامر التخلف، ويحاصرك الضجر، ويحف بك السراب من كل جانب. الموضوعية يختصرها المثل الشعبي الذي يقول: (إن طاعك الزمان وإلا طعه)؛ ومن يتمرد على طاعته فسوف يتغلب عليه حتماً؛ فالزمن يفرض نفسه ومنطقه فرضاً في النهاية. هل تتذكرون أول ما ابتدأ البث التلفزيوني الفضائي كيف واجهناه؟.. منعنا الدشوش، وجرّمنا من يقتنيها، وانبرى فقهاؤنا يفتون بحرمة اقتنائها ومشاهدتها، والنتيجة: فشلت كل تلك المحاولات فشلاً ذريعاً، وانتشرت الدشوش حتى لم يبق بيت إلا وفيه دش رغم أنف المنع والتحذير؛ فالذي يحاول أن يواجه البث الفضائي بأنظمة المنع والحجب، أو بمزيد التضييق، أو بالوعظ، هو كمن يحاول أن يواجه الطائرات المقاتلة (ببخاخ فليت)!. وما انشغال الناس منقطع النظير بشبكة (تويتر)، إلا تعبير عن إعلام جديد لا يمكن لأيّ سلطة أن تتحكم فيه مهما كانت قوتها؛ مشكلة تويتر، وكذلك الفيس بوك، أنهما مجالان خصبان للشائعات، فلا يدري القارئ مدى صحة المعلومة، ولا دقتها، لذلك فإن الإعلام التقليدي وبالذات الورقي، مازال يحتفظ بقدر معقول من الصدقية لا تتوفر في الإعلام الإلكتروني بجميع تنوعاته؛ ومع ذلك فإن الإعلام التقليدي إذا لم يواكب الحدث، ويرفع من سقف الحرية، ويتطرق إلى شئون تهم القارئ وهمومه، ويتلمس ما يبحث عنه، ويروي ظمأه، ويلبي شغفه بالمعلومة، فسوف يكون وجوده مثل عدمه، وتكون (الشائعة) قطعاً هي من ستشكل الرأي العام شئنا أم أبينا؛ حتى وإن كانت كاذبة أو مُختلقة. الشائعات مثل الأوبئة؛ إذا وجدت بنية واهنة ضعيفة هشة انتشرت فيها، وإذا وجدت بنية قوية سليمة حصينة كان تأثيرها السلبي عليها في أضيق نطاق؛ ومن أجل أن يكون إعلاماً قويّاً محترماً لابد وأن يكون على قدر معقول من الحرية المسؤولة؛ إذ ليس في إمكانك إطلاقاً أن تواجه شائعات تويتر إلا بمزيد من الشفافية، وتحمل النقد، مهما كان قاسياً؛ فالفراغ، إذا وجِد سيأتي حتماً من يملؤه و يستغله؛ ومن هنا تأتي أهمية ارتفاع سقف الحريات لتسحب بساط القبول والصدقية من الشائعات، وتحصن نفسك من آثارها السلبية؛ فالموضوعية قد تضطرك أحياناً إلى القبول ليس بالحلول التي تراها جيدة، وإنما بأقلها سوءاً. إلى اللقاء،،،