عندما تصبح الذاكرة أكثر من مرآة تتجاوز فيها الصورة السطح الزجاجي، إلى استحضار جزء كبير من صورة «الذاكرة» المتحولة إلى حكاية أكثر منها حديث مرايا « ما يميزه وجود تلك التفاحة المأكولة عليه من الخارج، وكأنها تؤكد لي الجزء المفقود من ذاكرتي.. لاكتشفت أنني بالدور الأول لإحدى المستشفيات في مدينة تبوك» فعبر إيقاع هذا المكان تبدأ البطلة «فجر» سرد حكايتها في رواية «العيطموس وما بعد الجنون» لشروق عبدالله، التي أصدرتها حديثا عن دار المفردات، التي التقتها «المجلة الثقافية» في هذا الحوار. * نادرة هي الروايات التي توظف أسماء «معجمية» كالعيطموس، حدثينا عن احتيارك للعنوان، وهل كان عنوان «ما بعد الجنون» ضمن تداعيات العناوين التي وصلت عبرها لهذا العنوان؟ - أؤمن بأن العنوان هو مفتاح أي موضوع يطرح، فبين أحرف عنواني قصة فجر بطلة روايتي - التي أطلقت عليها اسم العيطموس بمعنى المرأة شديدة الجمال في اللغة العربية، و إحياءً مني وحبا للغة الضاد كان ذلك احد الأسباب التي جعلت منه العنوان المناسب بنظري على الأقل، أما السبب الأعمق في أنه يتناول مضمون حكاية فجر حيث يصف عطاء المرأة في مجتمع يطمس ذلك العطاء، أما «ما بعد الجنون» فهو يرمز لبعض العادات والتقاليد التي هي جنون ولا تقود لمنطق. * ما مدى رضاك عن تصميم الغلاف الذي بدأ – في رأيي - متواضعا أمام عنوان لحالة ما بعد الجنون؟ لا أشد زيفا من أغلفة الكتب، ولعدم رغبتي في تضليل القارئ فقد أحببت بساطة ونعومة الغلاف، ليكون للقارئ حرية الاختيار عن اقتناع. * في الغرفة (109) في مستشفى بتبوك، في الدور الأول، كانت مدارا لأحداث الرواية، فهل جاء هذا تأثرا بروايات شهيرة دارت أحداثها في غرفة واحدة؟ قد نتأثر أحيانا بلا وعي بما نقرأ، ولا أستطيع الحكم إن كنت فعلا قد تأثرت برواية شهيرة دارت أحداثها في غرفة واحدة، لكن الغرفة (109) كانت تجمع التسعة مواضيع (المشكلات) التي عاشتها فجر، والمئة كما تعلم إشارة للدور الأول، ففجر لم تغادر غرفتها (على أرض الواقع) بل كانت محاصرة بعادات وتقاليد أوردتها في الرواية على شكل ال(9) المشكلات. * طريقة سرد الرواية قائم على استدعاء الذاكرة (الزمكانية) لمسايرة الأحداث بتداخل متقن، ما جعل (المكان/الغرفة) متزاحما ب(الذات/المجتمع) في نمو سردي متماسك البناء، حدثينا - بإيجاز – عن اهتمامك بهذا الجانب في بناء الرواية.. لست ممن يحصرون أنفسهم بجانب واحد ، لكن إن أردت حل مشكلة ما فعليك أن تجعل من بطل قصتك راويا جيدا لحكايته. * «اكتبي، اكتبي يا فجر.. لبنات جنسك» إحدى الرسائل التي توجهها روايتك للقارئ التي مفادها: إرادة الكتابة بوصفها مسكنا.. علاجا.. رسالة.. فأي إرادة دفعتك لكتابة روايتك؟ رسالة مغلفة بسلام، تُسكن أحرفها الأوجاع، وتبعث معها الأمل لفجر قادم، وتقدم الحل لكثير من المشكلات. * حملت الرواية رمزيات مختلفة لنقد اجتماعي (الحظ/المعيار) و(الاسم/النصيب) و(تقاليد الأموات/ دوغمائية الأحياء) فهل ترين الرواية - في ظل رواجها - الأكثر قدرة على نقد المجتمعات مقارنة بالفنون الأخرى؟ الرواية لها قدرة على التعبير عن روح المجتمع، لأنها الأقرب لروحه ولصوته بما ترسمه من تفاصيل للأحداث والعلاقات الاجتماعية، وبما تسعى له من تغيير ايجابي في المجتمع، كما أن الرواية لغة تركز على الواقعية فتجسده وتعمقه، ولعل أغلب الفنون تكون ولادتها من رواية، كمسرحيات شكسبير، وأفلام هاري بوتر وغيرها. * تمكنت العيطموس من الانتقال من التفكير بصوت «مسموع» إلى التفكير بصوت «مشاهد» بشخصنة «الأنا» عبر الكشف عن سر الشيخ، ما جعل العقدة تنفرج عن (عقدة مركبة) لرواية أنهيتها بأسئلة مفتوحة لنهاية منطقها الجنون، ألا ترين أن هذا بحاجة إلى قارئ نخبويّ؟ !«ولهذا سيدي كان تنويهي بداية روايتي» انفض عقلك لتقرأني * البطلة (كاتبة المقالة) في تصوري لم تحضر العيطموس بوصفها كاتبة لتزيد من عمق الصراع على المستويين: الأنا والأنا الشيخ، بمعنى (الصوت الكاتبة) و (الصدى/ القراء) فما رأيك؟ الكتابة هي ارتدادات الصدى الذي بداخلنا فبيننا وبيننا نبكي، نتألم، نستشعر، وفي ذات الوقت هي الخلاص من أي مشكلة أو ألم، وللكتابة يا سيدي لمسة خاصة، وحانية، تجعلك تستحضر الماضي في ثانية وترسم المستقبل في بعض أحرف! ربما لذلك السبب عشنا الماضي والحاضر والأحداث مع فجر وتعرفنا سويا على طريق النجاة والخروج مما مرت به. * ناقشت العديد من قضايا المرأة محليا، وكنت كما في روايتك «ملحن يصنع الإحساس لغيره» فما الإحساس الذي وجدت صداه في ذاتك بعد إصدار روايتك على مستوى الذات الكاتبة في مستقبل كتابتك؟ نجاح الرواية يعتمد على المتلقي ، والحمد لله كان صدى الرواية واسعا ولاقى استحسانا من كثير من شرائح المجتمع، أما عن مستقبل كتاباتي فأنا أرى التنوع مطلبا جميلا حتى لا أحصر نفسي في قالب « الذات الكاتبة» وإن كان ذلك يستهويني جداً. * ختاما.. ما الذي يزاحم أفكار «شروق» بعد العيطموس وما بعد الجنون؟ الكثير، لكني جعلت الأولوية في مؤلف بسيط كشكر وعرفان لجامعتي الحبيبة جامعة الملك عبد العزيز خاصة وأنا أقترب من مرحلة التخرج، وبإذن الله سيرى النور قريبا.