طوال هذه الأسابيع لم يكن يمضي يوم دون أن أحاول أن أفهم لماذا سلكت طريقاً آخر طوال تلك السنوات الضائعة.. لماذا تركت الفن الذي أحبه ولا أجيد شيئاً في هذه الحياة سواه؟ البارحة وجدتني أقرأ مسرحية لغوته كنت قرأتها يوم كنت شاباً مليئاً بالحياة يوم كنت أقول بأنني سأهب روحي للفن. هاكِ اقرئي «حسبي جزاءً في هذه اللحظة. فيكم وحدكم كنت أفكر وأنا أتأمل وأكتب: رضاكم كان أقصى مناي ومن لا يرى العالم في أصدقائه لا يستحق أن يراه العالم ها هنا وطني.. ها هنا الدائرة التي تود أن تلبث فيها روحي.. ها هنا أصغي.. ها هنا ألاحظ أقل علامة.. ها هنا أسمع صوت التجربة والذوق السليم.. إن الجمهور يضلل الفنان ويخيفه». إن الجمهور يضلل الفنان ويخيفه؟ أتساءل هل كان السبب أن المجتمع قد ضللني عن الطريق الذي أردت أن أمضي فيه؟ أم أنني كنت أجبن من أن أواجهه؟ لقد عشت في عزلة رهيبة وكنت وحدي بدون سند وحدي أنا والموتى. تريدين شيئاً من تجارب الأيام والسنين؟ لا تطلبي الحياة من الموتى. لا تتوهمي أيتها الصبية أن أرواح المؤلفين العظماء حية, إن الروح تموت وتفنى كما يموت الجسد ويفنى ولا يبقى من هؤلاء العظماء سوى المعرفة والمعاني العظيمة وهذه فقط ما يجب على المرء أن يطلبه منهم. أما الصداقة والألفة فأطلبيها من الأحياء. وإذا عثرتِ على أصدقاء طيبين فلا تتوقعي الكثير منهم وحسبك أنهم يصغون إليك وحسبك أن تجدي الألفة والذوق السليم فيهم. ثم كان هناك الجنون, في وقت من الأوقات وأنا أكافح المجتمع وأكافح لأجل الرزق وأكافح لأكون كاتباً مجتهداً كان هناك الخوف من أن أفقد عقلي. لم أكن أرغب بأن أكون كاتباً متوسطاً لقد أردت دائماً العظمة ولمّا كانت العظمة تحتمل الكثير من الأخطار تخليت عنها. إذن هل هذه الأسباب التي دفعتني لترك الطريق الذي أردت دائما السير عليه؟ يا إلهي كيف تُخرج الكتابة المعاني وتجيب عن الأسئلة.. نعم لقد تركت فني لأنني لم أستطع تحمل العزلة الرهيبة. ونعم لقد تركت فني لأنني لم املك الشجاعة للمغامرة بعقلي ولم أستطع تحمل الأخطار التي تتطلبها العظمة.. نعم لأنني فضلت أن أحب الناس وأن أنتمي لهم لأنني تعبت ولم أستطع تحمل ثمن الكراهية والخصومة وفي مقابل الشعور بالانتماء حتى لو كان زائفاً تركت فنّي. وهكذا أكون قد هزمت مرتين.. مرة من المجتمع ومرةً من نفسي!