وبعد أن وضعت حرب الانتخابات أوزارها، وانقشع الغبار بفوز دونالد ترامب، بدأ يتضح شيئاً فشيئاً أن ما كنا نخشاه كانت مجرد وعود انتخابية لاستقطاب الناخبين، ليس إلا. أول هذه القضايا التي اتضح أنه لا يعنيها، وتراجع عنها، كانت منع المسلمين من الدخول للولايات المتحدة كما كان يقول؛ فقد حذف هذه المقولة من موقعه على الإنترنت في اليوم الثاني لإعلانه رئيساً، ما يعني أنه تراجع عنها، ولن يكون لها وجود بالفعل في برنامجه التنفيذي. كما أن اللغة المتصالحة مع بقية مكونات المجتمع الأمريكي، كانت حاضرة وبقوة في أول خطاب له بعد أن أعلن فوزه؛ فقد نص مباشرة في خطابه الأول أنه أصبح الآن رئيساً لكل الأمريكيين بجميع فئاتهم وتوجهاتهم وأعراقهم. في الأعراف الديمقراطية في الغرب عموماً هناك عادة فرق بين مقولات المرشح قبل الانتخاب، وما يتم تطبيقه في حالة انتخابه، والعذر الجاهز لتبرير هذا التباين بين مرحلة ما قبل الانتخاب ومرحلة ما بعد الانتخاب أن ما استجد له من حقائق ومعلومات قبل استلامه للسلطة يختلف عما اتضح له بعد استلامه لها. وهذا إلى حد ما مبرر معقول، غير أن هذا لا ينسحب على وعوده كلها بالتأكيد. والرئيس ترامب في تقديري يختلف عمن سبقه من الرؤساء الأمريكيين في جانبين محوريين. أولهما أنه لم يسبق له أن عمل في السياسة، وتميزه كان في نجاحه المبهر في قطاع الأعمال التجارية والاستثمارات. الجانب الآخر أنه جاء من خارج المنظومة التقليدية للحزب الجمهوري، بل كان أساطين وكبار الحزب يرونه متمرداً على قيم وثوابت الحزب التقليدية، لذلك اتجه بعضهم إلى تأييد مرشحة الحزب الديمقرطي منافسهم اللدود، ما جعل كثيراً منهم بعد انتخابه يرضخون إليه مرغمين، وإلى أجندته وليس العكس, وهذه النقطة بالذات ستجعله الأقوى، والأكثر ثقة بالنفس منهم. غير أن فريق عمله الذي سيضطلع معه في إدارة السلطات في البيت الأبيض سيكون من الجمهوريين، ولكن من (صقور الحزب). ولعل في هذا ما يبعث على الاطمئنان وبالذات فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية الإيرانية، التي كانت مزدهرة في عهد سلفه أوباما، وكان ازدهارها على حساب علاقات أمريكا الحيوية مع العرب وبالذات على حساب المملكة ودول الخليج. وهذا ما جعلني في مقالات سابقة أرجح أن فوز ترامب، وليست كلينتون يصب في مصلحتنا. هناك من يحاول أن يشكك في موقف ترامب من العرب، انطلاقاً من بعض المقولات التي قالها قبيل الانتخابات، وبالذات موقفه السلبي من المسلمين, وليس لدي أدنى شك أن هذه المقولات ليست ثوابت، وسيكتشف حين يطلع على الملفات، وبالذات ملف الإرهاب تحديداً، إضافة إلى حجم الاستثمارات بين أمريكا ودول الخليج، أن المصلحة الأمريكية العليا (تحتم) عليه أن يدور مع المصلحة الأمريكية حيث دارت واتجهت. وأقولها بملء فمي أن أوباما الذي ذاق العرب منه الأمرين، لم ينطلق في كثير من ممارساته من منطلق المصلحة الأمريكية العليا، وإنما من (موقف ثقافي) له تراكمات تتعلق بمن يكون ومن أين جاء، أما ترامب فبوصلة مراكبه تبحث عن المصلحة وهي تمخر البحر والمحيطات. إلى اللقاء