قالت السيدة هيلاري كلنتون في كتابها خيارات صعبة عن تنافسها مع السيد باراك أوباما في حملة الانتخابات الرئاسية التمهيدية كانت تاريخية «بسبب عرقه و جنسي». واليوم العالم كله يقف على أعتاب بلاد العم سام يراقب الانتخابات الأمريكية بحماس وفضول لا أبالغ إن قلت يفوق ما شهدناه في انتخابات الدورة الأولى للسيد باراك أوباما، فقد كان التحدي للقيم الأمريكية في ذلك الوقت الداعية إلى نبذ التمييز العنصري والعرقي في محك اختبار حقيقي، فهل ستفوز تلك القيم أم سينتصر الفكر الكاوبوي. فتنافس رجل أسود في ذلك الوقت على مقعد رئيس البيت الأبيض وأمريكا، فيه كسر لبقايا حواجز التمييز العنصري والعرقي مع وجود أشلاء عالقة في الذهنية الكاوبوية لبعض الأمريكيين؛ ليظل الثابت بالتربية هو ثابت لا تعدّله قيم الديمقراطية. واليوم تدخل أمريكا للمرة الثانية ذات الاختبار التاريخي من خلال الانتخابات الرئاسية بين هيلاري كلنتون ودونالد ترامب، والتي قد تفرز صناديقها عن «أول امرأة» تحكم أمريكا ومن وراء حجاب تحكم العالم وتكسر «ذكورية البيت الأبيض» وتؤسس قاعدة «لتأنيثه». وبالنسبة للعرب مسألة الفضول في متابعة الانتخابات الأمريكية ليست قاصرة على فكرة تأنيث البيت الأبيض، بل تشمل متابعة الأفكار العدائية والتطرفية لدونالد ترامب نحو العرب والمسلمين وهي أفكار ستكون مهددة للدول العربية متى ما فاز دونالد ترامب بالانتخابات، لأن تلك الأفكار ستتحول وقتها من أفكار مطروحة على الطريق إلى إجراءات وقرارات سياسية سترسم مرحلة سياسية لأمريكا أسوأ من تلك التي رسمها جورج بوش الابن. أقول هو اختبار واختيار تاريخيين أما سيرسخ لقيم أمريكا الديمقراطية ،أو سيهدم مصداقية تلك القيم. وقد يرى البعض أن الأمر هاهنا يتجاوز ثنائية الترسيخ والهدم لأن قيمة الانتخاب تقوم على حرية الاختيار والقرار الفرديين ،وأن حرية القرار هي أيضا ترسيخ لقيم الديمقراطية، فالقيمة تكمن في محتوى المبدأ، وبذلك فالمراهنة هنا شاملة للقيمة لا للحاصل، فالتركيز خاص بالقيمة دون ما ينتجه ،وأن المساءلة في هكذا موقف يجب أن لا تؤطر داخل إشكالية الجنوسة أو الجنّدرة، إنما القدرة والكفاءة والكفاية فهذا هو مثلث الصلاحية لأي عقل سياسي. لاشك أن المنتخب الأمريكي يختلف في تفكيره عن المراقب العربي الذي يميل إلى وجدنّة طريقة التفكير،فالمنتخِب الأمريكي يتجه في اختياره وفق «صلاحية البرنامج الانتخابي» المقدم من قِبل المرشح المحتمل ومدى ما يحققه من استفادة للمجتمع من جانب و قدرته الواقعية في حلّ مشكلاته الاقتصادية، من جانب آخر وهو بهذا التفكير يُغيّب «جنس المرشح الرئاسي» عن دائرة الانتخاب، وهو ما يعني في حالة فوز السيدة هيلاري إن فوزها سيُجير «لقيمة برنامجها الانتخابي» لا «لجنسها». فالثقة هنا مرتبطة بالأفكار و الإجراءات و الإمكانيات لا الجنس. وقد يحدث ما يخالف الأعراف الانتخابية فتتحول الانتخابات الأمريكية إلى صراع «المرأة والرجل» يتجاوز حدود بلاد العم سام إلى العالم كله، وخاصة أن المرشح دونالد ترامب معروف بأفكاره العدائية نحو المرأة، وهي عدائية قد تجذب للسيدة هيلاري الكثير من المؤيدات من النساء والمؤيدين من الرجال الناشطين في حقول حقوق المرأة،إضافة إلى عدائيته للعرب والمسلمين وهذه العدائية قد تجذب الجاليات العربية والإسلامية الإمريكيين إلى هيلاري ،وهذا الجذب بلاشك تعوّل عليه السيدة هيلاري. وهو تعويل أرجو أن لايخونها،إذ أن العرب والمسلمين سواء داخل أمريكا أو خارجها و وفق تربيتهم العرفية يفضلون»حاكما فاسدا» على «امرأة صالحة» تحكمهم.