كنت منهمكاً في ترتيب بعض حاجيات المطبخ، عندما رن جرس باب الشقة باستحياء، اعتقدت لوهلة أنه صوت صادر من عقلي الباطن الذي اعتاد خداعي منذ أن تركت زوجتي البيت، لكن الطرق المتتابع على الباب أكد لي بما لا يدع مجالاً للشك أن ذلك ليس من وحي عقلي الباطن أو الظاهر أو أي من العقول التي لا أتمتع بها، فمضيت لأفتح الباب. كنت متلهفاً لرؤية زوجتي التي تركت البيت بعد شجارٍ حاد لا أتذكر سببه، وأوقن أنها لن تتذكره حتى لو كان هذا سؤال المليون ريال، ومنذ ذلك الحين أصبح المنزل سجناً واسعاً، لكن معرفتي بتفاصيله الدقيقة خفف عني الملل. تعثرت قليلاً و أنا في طريقي إلى الباب الخشبي، و قلت لنفسي: من المؤكد أنها هي، لم تجبني نفسي التي أتحدث إليها كثيراً، ولكنها لا تعير حديثي عادةً أي اهتمام، على أية حال تخيلت زوجتي جاثيةً على ركبتيها، تتوسل بصوت يقطر ندماً: يا سيدي المطاع، يا شهريار جميع العصور، أعترف أنني أخطأت، وها هو ندمي قد ساقني إليك كقطةٍ صغيرة عادت لتتكوّم في ركنها آخر الليل، عندها ابتسمتُ بنشوة المنتصر وقبل أن تتسع ابتسامتي حدثتني نفسي قائلةً بصوتٍ مستفز: (لم تفترض أنها ستعود؟، ربما أتت لتأخذ ما تبقى من ملابسها، وترحل بلا رجعة، أنا لا أستغرب ذلك، فمصدر استغرابي هو كيف استطاعت أن تتحملك كل هذه السنوات، أنت انسان منفّر، و لا بد أن تكتب على جبينك بصيغة الإعلانات التجارية «احذر: طارد لجميع أنواع المشاعر الإنسانية». نهرت النفس الثرثارة رغم أني أوافقها القول، فأنا فعلاً أبعد الناس من حولي ولكني أفعل ذلك حباً في الوحدة وليس بغضاً لهم، أحب أن أتركهم ليتمتّعوا بوحدتهم كما يريدون، وأمتنّ كثيراً لمن يحترم اختلائي بنفسي. ربما لا تكون هي، بكل بساطة قد يكون حارس البناية يطلب أجره الشهري المتأخر كالعادة، قفزت تلك النفس الثرثارة من مكمنها ثانيةً لتقول: (مساكين هم الفقراء، نغمطهم حقوقهم التي يكدّون عليها من أذان الفجر إلى منتصف الليل، بينما نهدي الأغنياء أغراضاً ثمينة لا يحتاجونها).