لم نكن ننتظر ابتهاجاً سريعاً من المُعلقين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تجاه قرارات مجلس الوزراء الأخيرة، على اعتبار أنها قرارات تصحيحية لترشيد الإنفاق، والتعايش مع المتغيرات الاقتصادية العالمية، وتراجع أسعار النفط، وهذا أمر طبيعي نفسي عندما يتعلق الأمر (بدخل الفرد)، حتى داخل المنزل عندما يقوم الأب بتخفيض المصروف اليومي لأبنائه ليتوافق مع دخل الأسرة، ولكن المواطن السعودي يملك من حب وطنه، وثقته بولاة أمره، ما جعله يتفهم أن مثل هذه القرارات ضرورية لمصلحة البلاد، وهي مؤقتة -غير دائمة- ويعلن وقوفه وتأييده المُطلق لها، بتقبل شديد ودون تذمر كما تروِّج لذلك -بعض الحسابات الوهمية والمُزيفة- لذا كنا أمام نوعين من التعليقات على هذه القرارات! كانت هناك تعليقات وتساؤلات بريئة من مواطنين -غير مُتخصصين- في الاقتصاد وتقلباته، وغير مطلعين على قضايا الشأن العام، رغم تقبلهم وتأييدهم المُطلق لهذه القرارات انطلاقاً من ثقتهم بقيادة هذه البلاد، قابل ذلك تعليقات مُتفهمة لحساسية المرحلة مع تراجع الاقتصاديات العالمية، وضرورة التعايش مع الواقع المؤقت الجديد، بذات الترحاب الذي استقبلنا به (مميزات سابقة) قدمها لنا الوطن بلا منّة، مع تحليلات اقتصادية صِرفة حول حصة (المُرتبات) والعلاوات؟ من إجمالي الميزانية السعودية.. إلخ، وهذا هو النوع الأول من التعليقات التي لا يُستغرب فيها وقوف المواطن السعودي مع كل ما تتخذه القيادة الحكيمة، في أروع صور التلاحم بين القيادة والشعب. النوع الآخر كان تعليقات مسمومة -كالعادة- نتيجة ظهور حسابات وهمية ومُزيفة، تحاول بث سمومها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإظهار سخط أو غضب من هذه القرارات، وهذه التعليقات الشاذة لا يمكن أن تصدر من مُعلقين سعوديين، والتجارب السابقة أكسبتنا حصانة ضد هذا النوع من الدسائس الرخيصة، التي يحاول مروجوها إحباط الشباب السعودي، ورسم صورة سوداء وقاتمة أمام مُستقبلهم، بعبارات وتعليقات تدغدغ مشاعر الشباب وأحلامهم، وتخوفاتهم، وهي مليئة بالحسد والحقد على هذا البلد وأهله، المؤسف هنا هو أن بعض وسائل الإعلام ووكالات الأنباء -إمَّا بحسن أو بسوء نية- تحاول إبراز مثل هذه التعليقات على أنها ردود فعل الشارع السعودي تجاه هذه القرارات، دون الالتفات لعشرات الآلاف من التعليقات الحقيقية التي صدرت من السعوديين، والتي تظهر تقبلهم وتأييدهم لكل ما تتخذه قيادتهم، ووقوفهم خلفها. عند التمعن في قراءة هذه القرارات، نجد أن فيها حماية للموظف الأقل (دخلاً) من التأثر المُباشر بترشيد الإنفاق، الذي طال بشكل واضح رواتب ومزايا (الوزراء ومن في حكمهم)، وأعضاء مجلس الشورى، علماً أن هاتين الفئتين ما زالتا حتى بعد الترشيد تحظيان بدخل مُرتفع، ومزايا تناسب وضعهم وظروفهم العملية والاجتماعية، كما تم استثناء جنودنا البواسل على الحد الجنوبي، وكذا المشاركين في العمليات العسكرية والاستخباراتية والأمنية خارج الوطن، في لمحة تقدير لتضحيات هؤلاء وما يقدمونه لوطنهم وأمتهم. بلدنا بلد خير، وما زلنا الأفضل اقتصادياً والأكثر أمناً واستقراراً وجاذبية للاستثمار والعمل، وأسواقنا هي الأرخص، كل ما علينا هو قراءة هذه القرارات بشكل صحيح -بعيداً عن المُرجفين والمُتربصين- فالعلاج مُرّ ومؤلم بعض الشيء، ولكنه ضروري لتصحيح وترشيد الإنفاق من أجل مصلحة الأجيال المُقبلة، لبناء مملكة المُستقبل. وعلى دروب الخير نلتقي.