إضافة إلى الصور السابقة التي استعملها الناقد العربي قديماً في سبيل التأثير في المتلقي كانت الصورة اللمسية نمطاً من أنماط الصورة في هذا الخطاب. تنبع أهمية هذه الحاسة من كونها أداة لإدراك نوع خاص من الجمال، فاللمس «يتيح لنا أن نشعر بأحاسيس فنية من نوع خاص، حتى إنه ينوب عن البصر، وإذا كانت حاسة اللمس عاجزة عن إدراك الألوان فإنها تجعلنا ندرك ناحية جمالية لا تستطيع العين وحدها أن تطلعنا عليها، كالنعومة والملاسة». والذي بدا من خلال شواهد هذه الصورة أنها ترد في مواضع وصف الألفاظ، والأسلوب أكثر من غيرهما، ومن ذلك أنه «أنشد العجاج (ت نحو 90ه): أمسى الغواني مُعرضاتٍ صُدّدا وأعرابي حاضر، فقال: «تنحَّ عن سَنَنِه، وإلا تسقطْ منه كلمة فتشدخك»، فقد «كنّى عن خشونة كلامه وغِلَظه» بصورة لمسية. وقال الفرزدق -وقد سئل عن جرير-: «قاتله الله! فما أخشن ناحيته وأشرد قافيته! والله لو تركوه لأبكى العجوز على شبابها، والشابةَ على أحبابها، ولكنهم هَرُّوه فوجدوه عند الهِراش نابحاً، وعند الجراء قارحاً»، والخشونة تدرك باللمس. ويروى أيضاً أن الكُميت حين سمع قصيدةً لذي الرمة ضرب صدر الطرماح وقال له: «هذه والله الديباج لا نسجي ونسجك الكرابيس»، والكرابيس: واحدها الكِرْباس، ثوب من القطن الأبيض، وهو ثوب خشن. وقد وازن الناقد بين أسلوب الشاعر وشبّهه بالديباج الناعم، وأسلوبه هو وصاحبه وشبّهه بالثياب الخشنة. ومن ذلك أيضا قول المبرد: «شعر البحتري أحسن استواءً، وأبو تمام يقول النادر والبارد»؛ فإنه صور بعض شعر أبي تمام بالبرودة، وهي ظاهرة تدرك بحاسة اللمس. وجاء في البيان والتبيين في وصف رجل برقّة اللسان: «كان والله لسانه أرقَّ من ورقة، وألينَ من سَرَقَة»، والسَّرَقَة شُقة من جيد الحرير، فهو تصوير للِين ألفاظه، ورقتها، وتشبيه لها بالحرير الناعم الملمس. و«قيل لعمارة بن عقيل: ما أجودُ الشعر؟ قال: ما كان كثير العيون، أملس المتون»، وفي أمالي اليزيدي: «إن من الشعر شعراً تأتيك أبياته مُلْس المتون، قليلة العيون، إن سمعتَها لم تَفْكه لها، وإن لم تسمعها لم تُبالِها»، كما نقل الحصري قول بعضهم في وصف بعض الشعراء: «كلامه يشتد مرة حتى تقول الصخر الأملس، ويلين تارةً حتى تقول الماءُ أو أسلس، ...، وكلام كثير العيون، سلس المتون». ففي هذه الشواهد يتجه الوصف بالملاسة نحو الألفاظ غالباً، إلا أنها تنحصر في وصفها بالغلظ والخشونة أو بالملاسة والنعومة. ويلحظ أن هذا النمط هو أقل أنماط الصور ظهوراً في الخطاب النقدي.