أنا أمسك القلم بثلاثة أصابع كبقية الناس، لكن لي مسكة ثانية غير مألوفة، فأمسكه بين الإبهام والسبابة، اعتدت عليها منذ الصغر، ولا تزال تثير التعجب لمن يراها بينما لا أرى فيها غرابة، وهذا الطبيعي عند البشر، ألا يشعر الشخص أنه يفعل خارجا عن المعتاد بسبب طول الممارسة أو التعايش، كمن يرش على ملابسه عطرا، بعد قليل تختفي الرائحة له ولكن تظل قوية للناس إذا مر بهم. الإنسان سريع القدرة على التكيف والاندماج في وضعه، مثل عمر بن عبدالعزيز، فقبل خلافته لما كان والياً أتاه أحد خاصته وقد اشترى له ثوباً فاخراً ناعماً غالياً، فلمسه وانتقد خشونته، ولما اتّخذ طريق الزهد وتولى الخلافة أتوه بثوبٍ رخيص خشن فلمسه وأُعجِب بنعومته! هكذا عوّد نفسه على التقشف حتى تغيّر تفكيره، بل حتى حاسة اللمس تكيّفت مع هذا الطور النفسي والعقلي. ترى مثل ذلك في الحياة اليومية، فمثلا صاحب الصوت العالي لا يشعر بارتفاع صوته إلا إذا نُبّه لذلك، رغم أن صوته ملأ المكان وجلب النظرات. صاحب الإعاقة في قدمه قد تعوّد على العرج أو العصا، وفقط عندما يرى النظرات والأسئلة ينتبه، وحتى هذه يتأقلم عليها بعد فترة، وكذلك من يستخدم الكرسي المتحرك، بعد الفترة الأولية يتكيف ولا يلاحظ أي غريب. البشع هو عندما تعتاد شيئاً سيئاً، مثل المصابين بالاكتئاب، فمن أكثر أسباب الاكتئاب هو أفكار خاطئة تدخل العقل ثم من كثرة تصديقها تصير طريقة تفكير طبيعية، مثل اعتقاد أن البشر أشرار، وأن الحياة عديمة القيمة، وأنه لا طائل من فعل أي شيء، وكل حدثٍ يراه المرء يتوهم أنه يؤكد له ذلك، فإذا رأى وقاحة أو شراً قال: البشر خبيثون! وإذا رأى أفعال الخير تجاهلها.. طرق تفكير مشوهة سلبية لكن قد تتعود عليها بالتدريج وبلا شعور! أياً كان ما تفعله باستمرار، فإن نفسك ستعتاد عليه، حتى تصل لمرحلة أن تفعله بلا أدنى انتباه، فتأمّل ما تجعل نفسك تفعله، وتفكر فيه يوماً بيوم.