يقود الأمير الشاب محمد بن سلمان عرّاب رؤية 2030 أكبر عملية تغيير اقتصادي ومعرفي وتكنولوجي وتنموي تشهدها السعودية في تغيير شامل لكافة مفاصل الدولة سينقلها إلى مصاف الدول المتقدمة وسيوقف اعتمادها على النفط وسيحول اقتصادها إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار وسيرفع من عوائدها غير النفطية إلى سقف الكفاية. السعودية اليوم، أكثر شباباً، أسرع قراراً، أنشط اقتصاداً وأكثر انفتاحاً على العالم. لم ينتظر ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية طويلاً بعد اعتماد رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني وشد الرحال إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية في زيارة تُوصف «بالتاريخية» على كافة الأصعدة لما تحمله من أهمية كبيرة في تحقيق رؤية 2030. بدأ الأمير الشاب زيارته من العاصمة السياسية واشنطن دي سي التقى بها الرئيس الأمريكي وعدداً كبيراً من الزعماء السياسيين، ومن ثم شد الرحال إلى العاصمة التكنولوجية سان فرانسيسكو للاجتماع بقيادات وادي السيليكون، عقب ذلك انتقل إلى العاصمة المالية نيويورك للقاء رؤساء شركات المال والأعمال. حققت الزيارة عدداً كبيراً من الأهداف السياسية والتكنولوجية والاقتصادية وسنستعرض في هذا المقالة ما يخص عالم الاقتصاد والتكنولوجيا. Dow Chemical أول النتائج الاقتصادية لزيارة الأمير محمد بن سلمان مهندس رؤية 2030 إلى العاصمة واشنطن دي سي كانت بالسماح لشركة داو كيميكال بالاستثمار في السوق السعودي بنسبة ملكية كاملة 100 % حيث سلم الأمير محمد بن سلمان الترخيص الاستثماري إلى الرئيس التنفيذي للشركة أندريه ليفيرز. داو كيميكال تعد أحد أكبر الشركات العالمية في مجال الصناعات البتروكيمياوية والصناعات التحويلية والرائدة في مجال الابتكار والبحوث والتي تقدم العديد من المنتجات الكيميائية والبلاستيكية والزراعية وخدمات أخرى تشمل أسواق الصحة والدواء والغذاء والنقل وغيرها. تعمل «داو كيميكال» في أكثر من 180 دولة حول العالم وتصل قيمتها السوقية إلى أكثر من 60 مليار دولار وحصلت في 2015 على عوائد مالية بلغت 48 مليار دولار. وبدأ تواجدها بالسوق السعودي منذ منتصف السبعينيات الميلادية عبر عدة مشاريع كيميائية أهمها بالطبع مشروع صدارة مع شركة أرامكو ومشاريع أخرى مع شركات التصنيع والصحراء وسامكو والجفالي. وستستثمر الشركة وفقاً لنظام الشركات الأجنبية ما لا يقل عن 200 مليون ريال، وستلتزم بتوظيف السعوديين وتدريب 30 % منهم سنوياً. أيضاً من متطلبات الترخيص الاستثماري (والذي سيطبق على جميع الشركات الأجنبية) تصنيع 30 % من منتجاتها الموزعة محلياً بالسعودية أو تخصيص 5 % من إجمالي المبيعات المحلية في برامج بحثية وتطويرية بالسعودية. بلا شك ستسهم هذا الشراكة الاقتصادية بخلق فرص وظيفية للسعوديين ونقل التقنية العالمية للمملكة. وأخيراً ستشجع باقي الشركات العالمية للاستثمار بالمملكة في حال نجاح تجربة داو كيميكال أو غيرها من الشركات الأجنبية. Six Flags خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان لواشنطن دي سي تم أيضاً عرض فرص الدخول للسوق السعودي لشركة 6 فلاقز الترفيهية الأمريكية والعمل فيه وهو ما يمثل تدشيناً لنشاطات السياحة والترفيه والثقافة في رؤية 2030 والتي تهدف إلى خلق صناعة سياحية وثقافية مستدامة في المملكة عبر إنشاء المكتبات والمتاحف والمسارح والمراكز الترفيهية. رؤية 2030 تهدف إلى تصنيف 3 مدن سعودية بين أفضل 100 مدينة في العالم وزيادة الإنفاق الترفيهي والثقافي من 2.9 % إلى 6 %. كما تهدف الرؤية إلى زيادة عدد المعتمرين من 6 ملايين إلى 30 مليون معتمر سنوياً وتنشيط السياحة الدينية بعد إنشاء المتحف الإسلامي وزيادة النشاطات الثقافية الدينية. لهذا مدت السعودية يدها إلى «6 فلاقز» والتي تعد أكبر مجموعة منتزهات ترفيهية بالعالم، حيث تدير 18 منتزهاً ومدينة ألعاب في أمريكا وكندا والمكسيك وقريباً في الصينوالإمارات. وقد اقترب زوار منتزهات «6 فلاقز» من حاجز 30 مليون شخص في عام 2015 وتتمتع الشركة بملاءة مالية جيدة وبقدرة توسعية مشهود لها. أنفق السعوديون على السياحة الخارجية مبلغاً تجاوز 96 مليار ريال في 2015 ، حيث يحتل السعوديون المرتبة الأولى عالمياً في الإنفاق السياحي، فيما أكدت إحصائيات شبكة فيزا نت إنفاق السعوديين لمبلغ 132 مليون ريال في أسبوعين فقط خلال مهرجان التسوق في دبي (وهي بلاد حارة) بالعام الماضي ما يثبت الحاجة السعودية لمنشآت ترفيهية وسياحية. تخيل لو أنفق السعوديون محلياً ربع إنفاقهم خارجياً، سيتم ضخ 25 مليار ريال في الاقتصاد السعودي وستُخلق آلاف الوظائف. الباب ما زال بالطبع مشرعاً لدخول شركات عالمية مثل ديزني أو سي وورلد (التي التقى مسؤولوها بالأمير محمد بن سلمان) في مجالات مدن الألعاب والمنتزهات والحدائق المائية وحدائق الحيوانات وأحواض الأسماك وغيرها الكثير من النشاطات الترفيهية. تراخيص قريبة وزير التجارة والاستثمار ماجد القصيبي أعلن اقتراب شركتي pfizer للصناعات الدوائية و3M لمنتجات المواد اللاصقة والشرائح المعدنية والمواد الإلكترونية، من الحصول على ترخيص للاستثمار بملكية كاملة بالمملكة. الجدير بالذكر أن 3M تقترب قيمتها السوقية من 105 مليارات دولار وتجاوزت عوائدها المالية 30 مليار دولار في 2015 وتباشر عملياتها في 65 دولة ما بين عمليات تصنيعية في 29 دولة ومراكز بحثية ومعملية في 35 دولة وتوظف ما يزيد على 88 ألف شخص وتُباع منتجاتها في أكثر من 200 بلد حول العالم. أما شركة فايزر فهي أحد عمالقة شركات صناعة الدواء بالعالم بقيمة سوقية تتجاوز 212 مليار دولار وبعوائد مالية بلغت 48 مليار دولار في 2015 وبعدد موظفين يقترب من 80 ألف شخص. وتصنع «فايزر» منتجات شهيرة مثل ليبتور والذي يعتبر الدواء الأكثر مبيعاً بالعالم لخفض الكوليسترول والمضاد الحيوي الشهير زيثروماكس وبالطبع المنتج الغني عن الذكر، الفياغرا. شراكات عسكرية تصنيعية الأمير محمد بن سلمان أيضاً التقى في واشنطن دي سي مع مسؤولين في شركة لوكهيد مارتن وهي أكبر شركة للصناعات العسكرية في العالم وشركة ريثيون المتخصصة في أنظمة الدفاع وأحد أكبر 10 شركات في الصناعات الدفاعية بالعالم وأكبر منتج للصواريخ الموجهة، وأخيراً شركة بوينغ المصنعة للطائرات المدنية والعسكرية. حملت اللقاءات أهدافاً عدة كان من أهمها مناقشة إمكانية توسيع مرافق الإنتاج الحربي في المملكة. يتماشى هذا الهدف مع رؤية 2030 التي تهدف إلى توطين الصناعات العسكرية وإيجاد أنشطة صناعية مساندة لخلق فرص وظيفية وتنشيط الاقتصاد، وأيضاً توفير الإنفاق العسكري. كذلك تهدف إلى توطين ما يزيد على 50 % من الإنفاق العسكري (تنفق المملكة حالياً 2 % محلياً فقط) وبدأت المملكة فعلياً في تطوير صناعات غير معقدة مثل قطع الغيار والذخائر والمدرعات في مسار حثيث يهدف للوصول إلى توطين الصناعات العسكرية الأكثر تعقيداً مثل الطيران العسكري وبناء منظومة متكاملة من الخدمات والصناعات المساندة، وتخطط المملكة حالياً لإنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة 100 % للحكومة. لن يحصل ذلك إلا بنقل التقنية والمعرفة وتدريب المواطنين السعوديين للوصول إلى الهدف الأسمى بتوطين الصناعات العسكرية ومن ثم تصديرها خارجياً. وادي السيليكون بعد أسبوع مزدحم قضاه مهندس الرؤية السعودية في واشنطن دي سي، قام الأمير محمد بن سلمان بزيارة مثمرة إلى المعقل العالمي الأول لصناعة التكنولوجيا، وادي السيليكون في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية حيث التقى فيها عدداً من القيادات التكنولوجية مثل الرؤساء التنفيذيين لشركات مايكروسوفت وسيسكو وأوبر وغيرها وخرجت الكثير من القرارات المهمة. رؤية 2030 تهدف إلى الاستفادة من القدرات الاستثمارية والملاءة المالية السعودية القوية في الاستثمار في الشركات التكنولوجية العالمية الكبرى منها والناشئة، والتحول إلى الريادة العالمية في إدارة الأصول والاستثمار والتمويل. الرؤية تهدف أيضاً إلى زيادة الاستثمار في الاقتصاد الرقمي وتطوير قطاع البنية التحتية الخاصة بالاتصالات وتقنية المعلومات. وتتجسد الرؤية التكنولوجية ببساطة في اتجاهين، الاستثمار في شركات تكنولوجية عالمية، وجذب استثمارات تكنولوجية عالمية لرفع مساهمة الاستثمارات الأجنبية بالناتج المحلي من 3.8 % إلى المعدل العالمي 5.7 % وللوصول إلى أحد المراكز العشر الأولى في مؤشر التنافسية العالمي. نقل المعرفة والتقنية والخبرات الأجنبية وإقامة متاجر ومصانع محلية لبيع وإنتاج وتصنيع المنتجات التكنولوجية العالمية محلياً هو عصب رؤية 2030 تكنولوجياً. فالسعودية تطمح إلى أن تمتلك شركة تعادل ميزانيتها ميزانية دول مثل آبل أو شركة تتحكم في أسواق إلكترونية وإنشائية وتعميرية مثل سامسونج أو شركة تبيع 10 ملايين سيارة سنوياً مثل تويوتا أو شركة تتحكم في الإنترنت مثل قوقل. نقل المعرفة يتجسّد باستقدام الخبرات الأجنبية لأغراض تدريبية، وشراء التقنيات وبراءات الاختراع التي تسمح بالتوسع الصناعي، وتشجيع الشركات التكنولوجية العالمية عبر منحها تسهيلات ضخمة لحثها على افتتاح فروع لها بالسعودية، ابتداء من متاجر بيع مباشرة للقضاء على الوكالات المحلية الجشعة، مروراً بإنشاء مراكز بحثية لأغراض تدريبية وتطويرية، وانتهاء بمصانع وخطوط إنتاج جزئية أو كاملة. جلب الشركات الأجنبية العالمية وتوطين التقنيات المتقدمة يمكن أن يكونا أيضاً عبر الاستحواذ الكامل أو الجزئي على تلك الشركات وهذا ما بدأته السعودية قبل أسابيع في شركة أوبر. Uber التقى الأمير محمد بن سلمان ب ترافيس كلنك المدير التنفيذي والمؤسس لشركة أوبر لخدمات سيارات الأجرة والتي استثمر صندوق الاستثمارات العامة بها 13 مليار ريال حائزاً على حصة بلغت 5 % من ملكية الشركة. وأكدت «أوبر» بلقائها مع الأمير محمد على خططها التطويرية في السوق السعودية والأهمية التي يمثلها الاستثمار السعودي في مستقبل الشركة، حيث احتل ياسر الرميان العضو المنتدب لصندوق الاستثمارات العامة السعودي مقعداً في مجلس إدارة «أوبر». Microsoft الأمير محمد بن سلمان التقى أيضاً بالرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا حيث وقّع الاثنان مذكرة تفاهم تهدف إلى التعاون في تدريب وتأهيل السعوديين ودعم التحول الرقمي والابتكار القائم على المعرفة وفقاً لرؤية 2030. ووقّعا أيضاً على خطاب تعيين من مركز دعم اتخاذ القرار في الديوان الملكي مع شركة مايكروسوفت لإنشاء البنية التحتية والأنظمة وبرامج التشغيل والاستعانة بخبرات علماء المعلومات بالشركة. وقد أبدى الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت ساتيا ناديلا سعادته الكبيرة بالشراكة السعودية ووعد بمساهمة شركته في تقديم التكنولوجيا اللازمة لتحقيق الرؤية السعودية 2030. ناديلا أعلن عن حماس شركته البالغ للمشاركة في التحول الرقمي الذي ستشهده السعودية. Cisco بعد مسؤولي مايكروسوفت، اجتمع الأمير محمد بن سلمان مع جون شامبر الرئيس التنفيذي في شركة سيسكو سيستمز والتي تعد الأولى عالمياً في مجال المعدات الشبكية والشبكات اللاسلكية. «سيسكو سيستمز» تحوز على قيمة سوقية تبلغ 143 مليار دولار، وحققت عوائد مالية ضخمة في عام 2015 تجاوزت 49 مليار دولار. تم خلال هذا اللقاء بحث سبل تسريع وتيرة التحول الرقمي بالسعودية وفقاً لرؤية 2030 وتم توقيع مذكرة تفاهم بذلك. Khan Academy التقى الأمير محمد بن سلمان أيضاً مع سلمان خان رئيس أكاديمية خان وهي مؤسسة تربوية غير هادفة للربح وتقدم محاضرات تعليمية عبر الفيديو في عدد كبير من المواد الدراسية. ناقش الأمير محمد بن سلمان مع خان جوانب الشراكة الأكاديمية بين مؤسسة مسك الخيرية (التابعة لسموه) وأكاديمية خان بهدف توفير تعليم مجاني عالمي المستوى لأي شخص في أي مكان. لقاءات واجتماعات أخرى قبل رحيله من سان فرانسيسكو، التقى الأمير محمد بن سلمان مع مجموعة من الشباب السعوديين العاملين في كبريات الشركات الأمريكية. أيضاً شهد تواجد الأمير محمد بن سلمان في كاليفورنيا انطلاق نقاشات بين المسؤولين السعوديين وقيادات في شركة آبل الأمريكية لترتيب إجراءات دخولها للسعودية في متجر تعود ملكيته بنسبة 100 % لآبل. الشركة سيكون تواجدها بالسعودية الثاني في المنطقة العربية بعد افتتاح متجرين لها في الإمارات (دبي وأبوظبي). دخول «آبل» ربما سيكون مقدمة لدخول متاجر أخرى في مجالات التكنولوجيا وقطاع التجزئة ربما يعلن عنها قريباً. المحطة الأخيرة: وول ستريت بعد بضعة أيام قضاها في رحاب وادي السيليكون، شد الأمير محمد بن سلمان الرحال نحو محطته الأخيرة، مدينة نيويورك. الهدف الرئيس من التواجد بالعاصمة المالية الأمريكية والعالمية الأولى (بعد لقاء الأمين العام للأمم المتحدة) سيكون للقاء كبار المدراء التنفيذيين في كبرى الشركات المالية في بورصة وول ستريت بنيويورك. سيحمل الأمير الشاب على عاتقه «عبء» شرح رؤية السعودية 2030 للمستثمرين الأمريكيين والأجانب بهدف إقناعهم لجذب استثمارات عالمية للأسواق السعودية. خطط السعودية المستقبلية تهدف إلى نقل الاقتصاد السعودي إلى المراتب ال 15 الأولى على مستوى العالم ورفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة من 600 مليار إلى ما يزيد على 7 تريليونات ريال. أيضاً تهدف الرؤية إلى جذب استثمارات عالمية ورفع نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر من إجمالي الناتج المحلي من 3.8 % إلى 5.7 %. ختاماً، يعلم الجميع أن المملكة مقدمة على نهضة تنموية واقتصادية ومعرفية ضخمة بعد إطلاق رؤية 2030 التي ستغير من واقع وحاضر ومستقبل السعوديين، كباراً وصغاراً. الأمير محمد بن سلمان رسم بهذه الزيارة التاريخية للولايات المتحدةالأمريكية الملامح الأولى لحلمه بتحويل المملكة إلى بلد متقدم متجاوزاً في خطته الطموحة هذه حتى خطط التحول العالمية مثل تجربة ماليزيا أو كوريا الجنوبية أو حتى فنلندا وهذا ما يجسد مقولة يؤكدها بعض الوزراء الذين عملوا مع الأمير الشاب «القرارات التي كانت تصدر بسنتين، أصبحت تصدر مع محمد بن سلمان في أسبوعين». رؤية 2030 التي دشّن ملامحها الأولى محمد بن سلمان بين العاصمة الأمريكية ووادي السيليكون وجزيرة مانهاتن، قادرة على نقل البلد إلى مصاف الدول المتقدمة - بإذن الله - خلال 14 سنة فقط.. لا يوجد شيء مستحيل.