«ديوان المراقبة العامة» الجهاز الأعلى للرقابة في المملكة العربية السعودية، والذي يختص بموجب المادة (السابعة) من نظامه بالرقابة اللاحقة على جميع إيرادات الدولة ومصروفاتها وكذلك مراقبة كافة أموالها المنقولة والثابتة ومراقبة حسن استعمال هذه الأموال واستغلالها والمحافظة عليها، وأيضاً الرقابة على الشركات التي تساهم فيها الدولة ب 25 % وأكثر من رأسمالها. كما أنه مطالب بالمساهمة في رفع كفاءة الأداء في الأجهزة الحكومية المشمولة برقابته وتمكينها من تنفيذ أهدافها المرسومة بكفاءة وفعالية وأساليب اقتصادية رشيدة، لتحقيق الانضباط المالي والإداري في الأداء الحكومي وفقاً لمقتضى قرار مجلس الوزراء رقم (201) وتاريخ 4-7-1432ه القاضي في الفقرة ثالثاً منه ب «تفعيل دور الهيئات الرقابية من خلال تطوير قدراتها لتقويم أداء الأجهزة الحكومية وتزويد كل جهاز حكومي بنتائج التقويم متضمنة جوانب القوة ومكامن الضعف فيه، ومساعدته في القيام بتحسين جوانب القصور لديه ومعالجتها وتطوير أدائه»، وكذا ما يقضي به نظامه من تزويد المقام السامي ومجلسي الوزراء والشورى من تقارير موضوعية وذات مصداقية عالية حول أداء الأجهزة الحكومية والوضع المالي للدولة بصفة عامة. هذا من الناحية التشريعية .... أما ما يتعلق بالنواحي الفنية والأصول المهنية التي تحكم إجراء وتنفيذ العمليات الرقابية بشكل عام، فإن كل ذلك يخضع للمعايير الصادرة عن المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة INTOSAI، والتي تم تشكيلها في العام 1953م، كمؤسسة مستقلة وذاتية السيادة وغير سياسية ومنظمة غير حكومية ذات مركز استشاري خاص في المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة، يتجاوز عدد أعضاءها حالياً 192 دولة، هذه المنظمة تختص بتنظيم أعمال الرقابة الحكومية على القطاع العام وتطوير الأساليب المتبعة في تنفيذ عمليات الرقابة المختلفة بحيدة وكفاءة ومهنية وموضوعية، وتشكل هذه المنظمة حالياً المرجعية لجميع أعمال الرقابة الحكومية والمصدر الرئيس لمعايير وتوجيهات وإرشادات تنفيذها. ومنذ انضمام ديوان المراقبة العامة لعضوية منظمة INTOSAI، تمكن من الحصول على تمثيل مشرّف لحكومة المملكة العربية السعودية في هذه المنظمة، فهو يشغل في الوقت الراهن منصب النائب الثاني لرئيس المجلس التنفيذي للمنظمة وكذلك رئاسة اللجنة المالية والإدارية، إضافة إلى عضوية العديد من اللجان الفنية الفاعلة (لجنة المعايير المهنية، اللجنة الفرعية لرقابة الأداء، اللجنة الفرعية لرقابة الالتزام، لجنة بناء القدرات المهنية، لجنة تقاسم وتبادل المعرفة، مجموعة عمل الرقابة البيئية، مجموعة العمل المعنية بالتحديث المالي والإصلاح التنظيمي). ولقد كان من أهم المعايير التي أصدرتها منظمة INTOSAI هو معيار (الاستقلالية) أو ما يعرف ب»إعلان ليما»، على أثر دعوة أطلقتها المنظمة في العام 1977م لتحقيق رقابة حكومية مستقلة، وينص معيار (الاستقلالية) الذي يشكل منفرداً المستوى الأول للمعايير الدولية الصادرة عن المنظمة، على أن الجهاز الأعلى للرقابة لا يمكن له ممارسة اختصاصه بموضوعية وفعالية ما لم يحقق الاستقلالية الكاملة عن جميع الجهات المشمولة برقابته مالياً وإدارياً وتنظيمياً، ويشمل ذلك استقلالية أعضائه المكلفين بتنفيذ المهام الرقابية وكافة المسئولين فيه، وأن أعمال الرقابة التي يقوم بتنفيذها في مأمن تام من أي تأثيرات خارجية. وإذا ما نظرنا إلى نظام ديوان المراقبة العامة الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم م-9 وتاريخ 11-2-1391ه، نجد أنه وبموجب المادة الأولى من نظامه قد تحقق له الاستقلالية التنظيمية بارتباطه المباشر برئيس مجلس الوزراء، إلا أن هذه الاستقلالية لم تشمل النواحي المالية والإدارية إذ لا تزال موارده المالية تأتي من وزارة المالية، وتنظيمه الإداري واحتياجاته الوظيفية خاضعة لأنظمة ولوائح وتعليمات وزارة الخدمة المدنية. واستناداً إلى القرار رقم أ-66-209 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن تعزيز الكفاءة والمساءلة والفعالية والشفافية في الإدارة العامة، من خلال تقوية الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، قام ديوان المراقبة العامة بالرفع للمقام السامي بمشروع نظام جديد للديوان يسعى من خلاله إلى مواكبة التطورات في حقول اختصاصه، مؤكداً على استقلالية الديوان وتحديد اختصاصاته وأساليب مباشرة مهامه الأساسية، وسبل توفير المتطلبات المادية والبشرية والفنية له. ولقد حظي الديوان خلال العام الماضي بدعم مجلس الشورى ومطالبته بتفعيل استقلاليته المالية والإدارية، وتأكيد المجلس على ضرورة أن تكون اعتمادات ميزانية الديوان وتحديد احتياجاته الوظيفية من السلطة العليا دون أي تدخل من أي جهة. جاء ذلك في قرار أصدره المجلس خلال جلسته العادية التاسعة والأربعين بعد أن استمع لوجهة نظر لجنة الشؤون المالية، بشأن ملحوظات الأعضاء وآرائهم تجاه التقرير السنوي لديوان المراقبة العامة للعام المالي 1434-1435ه. ومع صدور قرار مجلس الوزراء القاضي بالموافقة على خطة المملكة العربية السعودية التنموية»رؤية 2030»، أصبح تحقيق الاستقلالية الكاملة لديوان المراقبة العامة من المسائل الحيوية وذات الأولية لدعم جهود تحقيق هذه الرؤية، فهذه الخطة التنموية الطموحة التي تنطلق من (3) محاور رئيسة هي المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح، تضمنت ضمن بعدها الاقتصادي أنها ستنتهج الشفافية كأحد أولوياتها، بل نصت وبشكل صريح وواضح على أنها لن تتهاون أو تتسامح مطلقاً مع الفساد بكل مستوياته، سواء أكان مالياً أم إدارياً، وأنها ستستفيد من أفضل الممارسات العالمية لتحقيق أعلى مستويات الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات، ويشمل ذلك اتخاذ كل ما هو ممكن لتفعيل معايير عالية من المحاسبة والمساءلة، فضلاً عن أنها تناولت في جانب دعمها للمرونة في القطاع العام، أنها ستعمل على تعزيز كفاءة الإنفاق من خلال وضع ضوابط صارمة على آليات الاعتماد بما يزيد الأثر المتحقق مقابل الصرف، وأن ذلك سيتم من خلال تعزيز التوافق بين الأولويات الإستراتيجية وتوزيع الميزانيات، وتعزيز ضوابط تنفيذها وآليات التدقيق والمحاسبة وتحديد الجهات المسؤولة عن ذلك. لقد حظي قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله الصادر يوم السبت 30 رجب 1437ه بتعيين الدكتور حسام بن عبدالمحسن العنقري رئيساً لديوان المراقبة العامة، بإشادة ومباركة العديد من الشخصيات المهتمة بالمراجعة والمحاسبة والرقابة على المال العام، فمعاليه كان يشغل منصب رئيس اللجنة المالية بمجلس الشورى وهو العميد السابق لكلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز، وحاصل على درجة الدكتوراه في المحاسبة والإدارة المالية، من كلية الأعمال بجامعة إيسكس - بريطانيا، وسبق له دراسة تقارير الديوان المرفوعة لمجلس الشورى أثناء تمثيله للجنة المالية، كما استمع إلى العديد من النقاشات والمداخلات حول أنشطة وأداء الجهات الحكومية وتقاريرها السنوية. معالي الدكتور حسام العنقري ينتظره الكثير من العمل والجهد لتحقيق تطلعات القيادة الرشيدة في تحسين وتطوير أداء ديوان المراقبة العامة للمساهمة بفعالية في مسيرة الإصلاح الشامل ورفع كفاءة أداء جميع أجهزة الدولة، ندعو الله أن يوفق معاليه. أما ديوان المراقبة العامة فهو في هذا التوقيت في أمس الحاجة إلى صدور الموافقة على مشروع نظامه الجديد وتحقيق استقلاله الكامل للنهوض بمهامه واختصاصاته والمساهمة الإيجابية في مسيرة البناء والتنمية. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وأمد في عمره على طاعته، وحفظ الله سمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد، وسدد على الخير خطاهم.