أقام معالي سفير المملكة العربية السعودية لدى الجمهورية اللبنانية الدكتور علي عواض عسيري مساء أمس الأول مأدبة عشاء في دار السكن في اليرزة، حضرها حشد من كبار الشخصيات السياسية والعسكرية والروحية والدبلوماسية، تقدمهم رئيس الحكومة تمام سلام ورئيس الجمهورية السابقين الشيخ أمين الجميل والعماد ميشال سليمان ووزير المالية علي حسن خليل ممثلاً دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري ورئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني ورؤساء الحكومة السابقين العماد ميشال عون، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، سعد الحريري، إضافة إلى قائد الجيش العماد جان قهوجي ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم وسماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان والمطران بولس مطر ممثلاً غبطة البطريرك الماروني بشارة الراعي والمطران إلياس عودة والسفير البابوي غابرييلي كاتشا ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع والسيد طوني سليمان فرنجية وعدد من السفراء العرب وبعض سفراء الدول الغربية ووزراء ونواب حاليين وسابقين ورؤساء أحزاب وشخصيات من مختلف القطاعات توزعوا على طاولات حملت أسماء المدن السعودية. وقد ألقى معاليه كلمته بهذه المناسبة أكد فيها مدى العلاقات الأخوية التي تجمع البلدين العزيزين، وقال: هذا هو لبنان الذي تعرفه المملكة العربية السعودية والتي حرص قادتها وصولاً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - على التمسك به وبقيمه وتاريخه ورسالته العربية والدولية، ولم يوفروا فرصة إلا ودعوا خلالها الأشقاء اللبنانيين إلى الوحدة والحوار والمصالحة والحفاظ على العيش المشترك واللقاء الأخوي كما يحصل اليوم، لأن الوفاء وإرادة الخير للأشقاء هو طبع المملكة ومواقفها التي اتخذتها في مختلف المراحل، قبل اتفاق الطائف وبعده على الصعد السياسية والاقتصادية المختلفة أكدت أنها في طليعة الداعمين للبنان وشعبه، وأن لا هدف لها سوى مصلحة هذا البلد وتقدمه وأمنه واستقراره. ففي رحاب هذا المسار الأخوي وانطلاقاً من حرص خادم الحرمين الشريفين الدائم على لبنان بادرتُ إلى هذه الدعوة مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك، كمواطن عربي محب للبنان عاش معكم وبينكم وأحب أن نلتقي كأسرة واحدة يتعالى أبناؤها عن التناقضات السياسية والمصالح الضيقة إلى ما هو أسمى لهدم الجدران الفاصلة وشبك السواعد والسير بالوطن إلى مرحلة تشهد حلولاً سياسية بدل العقد، وازدهاراً اقتصادياً بدل المخاوف والارتباك، واستقراراً أمنياً وثقة بلبنان بدل التوجس منه، وثباتاً للشباب في أرضهم بدل التفكير بالهجرة والرحيل. صدقوني أن هذه الأفكار تعتمل في داخلي كأي واحد منكم، وأعرف أن في داخل كل منكم كمّ كبير من الحسّ الوطني والمسؤولية الأخلاقية والحرص اللامتناهي على مصلحة لبنان. فلهذه المشاعر أتوجه وأوجه نداء صادقاً أن يقوم كل واحد منكم بخطوة نحو الآخر دون انتظار من سيكون البادئ، وأن تبادر القيادات إلى حوار يختلف عن كل الحوارات السابقة عنوانه «إنقاذ لبنان» لأن الوقت يمر والأخطار تزداد، والحرائق لا تزال تندلع وتتمدد، ولبنان لم يعد قادراً على الاحتمال، لا بل يتطلع إلى همّتكم وقراراتكم الشجاعة بعدما عانى ولا يزال من ضرر سياسي واقتصادي كبير بسبب شغور موقع رئاسة الجمهورية وغياب «حامي الدستور» الذي يعتبر انتخابه المدخل الأساسي إلى كافة الحلول وإلى مرحلة جديدة تُستكمل فيها الخطوات الدستورية لينتظم عمل المؤسسات وتستعيد الدولة قدراتها والحياة السياسية حيويتها من أجل خدمة الوطن والمواطن. إن شغور رئاسة الجمهورية يوشك على دخول عامه الثالث، وكلما طال تقترب الدولة والمؤسسات من حافة الهاوية، فمن موقعي الأخوي ومن هذا البيت السعودي الذي يجمع الأشقاء اللبنانيين من كافة الأطياف السياسية والدينية انطلاقاً مما تكنه المملكة لهذا البلد الطيب من محبة وخير أناشدكم أن توجدوا الإرادة السياسية والحلول التوافقية لهذا الملف بحيث يحل عيد الفطر المبارك ويكون للبنان رئيس عتيد يقود السفينة إلى ميناء الطمأنينة والازدهار ويحقق آمال وتطلعات كافة اللبنانيين. هذا ما ينتظره مواطنوكم منكم وكل محب للبنان. تعرفون أن أشقاءكم العرب وفي طليعتهم أبناء المملكة العربية السعودية يواكبونكم بقلوبهم ويتطلعون إلى اللحظة التي يتم فيها التوصل إلى الحلول السياسية التي تريح الوضع العام في لبنان، فحبذا أن يشكل هذا اللقاء فاتحة هذا الأمر بحيث تتخذ الحكومة اللبنانية مزيداً من الخطوات السياسية والأمنية التي تطمئن السياح العرب والأجانب وتؤكد أن السلطات اللبنانية لا تألو جهداً في اتخاذ كافة الإجراءات التي تشجع كل محبّي لبنان على المجيء إليه الأمر الذي سينشط الدورة الاقتصادية ويعود بالنفع على قطاع الخدمات والوضع المالي العام، وقبل كل ذلك وبعده سيبقي لبنان في دائرة التواصل الطبيعي مع أشقائه العرب الذي تسعى بعض الجهات جاهدة إلى بتره وإلى تشويه تاريخ العلاقات اللبنانية العربية وتغيير وجه لبنان وهويته وانتمائه. أقول بكل صراحة إن بعض الأصوات التي تستعمل أساليب التجيش وارتفاع النبرة لا تخدم مصلحة لبنان ولا تريدها أصلاً، وجلّ ما فعلته أنها استجلبت الانعكاسات السلبية على الاقتصاد وعلى الوضع اللبناني عموماً بعدما ربطت نفسها بشؤون إقليمية ومحاور لا تقيم اعتباراً إلا لمصالحها الخاصة، فيما مصلحة الوطن تتطلب خلال هذه المرحلة إبعاده عن كافة الملفات والتجاذبات الإقليمية وعدم ربط مصيره بمصير أي طرف، وإنما الانصراف إلى معالجة قضاياه الداخلية واستنباط الحلول المفيدة بمعزل عما سيؤول إليه وضع نظام هنا أو نظام هناك. وقال إن المملكة العربية السعودية بكافة قياداتها كانت وستبقى الداعم الأساسي للوفاق الوطني والاستقرار السياسي والأمني في لبنان ولصيغة العيش المشترك الإسلامي المسيحي، وغير صحيح ما يُشاع أنها تخلت عن لبنان، فهذه ربما أمنية بعض التي لن تتحقق، لأن العلاقات السعودية اللبنانية متجذرة في التاريخ وفي البعد الإنساني الذي يجمع الدول والشعوب. إلا أن المطلوب من لبنان في المقابل أن يبقى أميناً لتاريخه، منسجماً مع ذاته ومع محيطه ليتصدى لكل ما قد يواجهه من مخططات ومشاريع نعرف سلفاً أنها لن تحقق ما تتوخاه لأن الشعب اللبناني بكل طوائفه يعرف تماماً ماذا يريد وأين تتحقق مصلحة بلاده. وقال: لبنان لكم فلا تتخلوا عنه، لبنان يناديكم فلبّوا النداء، لبنان يستحق بذل الجهود فلا توفروا جهداً في سبيله، لبنان أمانة في أعناقكم فاحرصوا على الأمانة، أبناؤكم يتطلعون إلى قراراتكم وخطواتكم وعليها تتوقف قراراتهم وخطواتهم ومستقبلهم. وقد لقيت الكلمة صدىً إيجابياً طيباً في نفوس الحاضرين الذين أكدوا أنه لا يأتي من المملكة العربية السعودية إلا الخير للبنان وشعبه، وأن دورها كان ولا يزال دوراً بنّاءً وأن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - لطالما دعا المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم إلى الحوار والتقارب والوحدة، وأن هذا اللقاء الجامع في بيت المملكة العربية السعودية هو خير تعبير عن السياسة التي اتبعتها المملكة دائماً مع لبنان، وهي سياسة الحرص الأخوي والدعوة إلى لمّ الشمل ورص الصف الداخلي.