على الرغم من توجه مقتدى الصدر إلى إيران للاعتكاف، أو للتزوّد أكثر من مرجعه المذهبي الحائري في قم، أو للقاء بعض من أهله الذين يقيمون في إيران، فإن كل ذلك لا يغيِّر من ابتعاد أنصاره وتياره عن إيران ووكلائهم في العراق، فالجرة انكسرت ولن يتم إصلاحها سواء تمت ترضية مقتدى، وتقديم ما قطع عنه من أموال، إلا أن ذلك لن يصل إلى الفقراء الذين تظاهروا واعتصموا في المنطقة الخضراء. سواء أعلنت واشنطن عن دعمها للعبادي حيدر رئيس الوزراء والجبوري سليم رئيس البرلمان العراقي توافقاً مع ما يشهده العراق من شراكة التواطؤ بين واشنطن وطهران. كل هذا لن يغيّر من تحرك العراقيين لإحداث تغيير حقيقي ينهي الوضع الذي أغرق به العراق، أرضاً وشعباً بعد أن أوصلته مافيا المحاصصة إلى أسوأ مرحلة شهدها من أيام الحكم العثماني مروراً بالاستعمار البريطاني فالحكم الوطني في عهود الملوك فيصل الأول وغازي وفيصل الثاني، ثم حكم العسكر عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف وأخيه عبدالرحمن عارف وحكم البعثيين أحمد حسن البكر وصدام حسين لم يمر العراقيون بأسوأ من الذي يمرون به منذ عام 2003 يوم تم غزو العراق بتواطؤ من الذين تربوا على أموال الذين احتلوا العراق واستنزفوا ثرواته سواء القادمين عبر البحار أو الذين اجتازوا الحدود، فلم يصل الأمر والحال بالعراقيين أيام كل المراحل التي سبقت احتلال عام 2003، أن يضطر العراقي أن يبيع كليته ليصرف على عائلته. هذه الحالة المزرية التي يعيشها العراقيون عرباً وأكراداً وتركماناً وسرياناً، شيعةً وسنةً ومسيحيين هي التي دفعتهم إلى التظاهر والاعتصام، ولأنهم عرفوا ما يقوم به وكلاء ملالي إيران ومندوبو سفارات الغرب، أظهروا غضبهم وحنقهم من الجميع، هذا الوعي والانتفاضة التي أعادت توحيد العراقيين سنةً وشيعةً وحتى أكراداً، وإن كانت في بداياتها فإنها أثارت رعب مافيا المحاصصة ومَن وراءهم سواء الأمريكيون أو ملالي إيران، ولهذا فقد بدأ التفكير لتغيير أسلوب العمل والنهج الذي يسعون إلى تنفيذه في العراق، وهم في سباق لإجهاض التحرك الوطني العراقي والذي يهدف إلى إنهاء نظام المحاصصة ومحاصرة الطائفية والعودة إلى الوحدة الوطنية، وتعمل جهات وشخصيات عراقية من السنة والشيعة معاً للوصول إلى اتفاق تشكيل حكومة وطنية مستقلة من الكفاءات العراقية الوطنية ليس لها ارتباط بالكتل السياسية والأحزاب الطائفية سواء كانت من الشيعة أو السنة. هذا التحرك يواجه بتشبث وممانعة من مافيا المحاصصة سواء من المكون الشيعي الذي يسعى إلى إعادة مقتدى الصدر إلى بيت الطاعة والتحالف الوطني، والمكون السني من الكتل والأحزاب التي قبلت تلقي الفتات من المالكي والعبادي مقابل التغاضي والسكوت على التجاوزات التي عانى منها العرب والسنة في الموصل والأنبار وديالى وصلاح الدين وبغداد التي تعرضت إلى إغراقها بالقادمين من جنوبالعراق وحتى من إيران، فالتفاهم السني الشيعي العابر للطائفية فرض على مافيا المحاصصة الاستعانة بالحاضن الأمريكي والإيراني اللذين قدّما عرضين أحدهما: 1. اختيار قائد عسكري لتشكيل حكومة تحافظ على حصص الأحزاب الطائفية من كلا المكونين إضافة إلى الأكراد ولضمان استمرار الحال كما هو عليه وبغطاء عسكري. 2. استبدال حيدر العبادي بشخصية طائفية أخرى من خارج حزب الدعوة حتى لا تتكرر حالة الانشقاق الحزبي، وتدعم المساندة الأمريكيةوالإيرانية معاً مع وضع مليشيات الحشد الشعبي تحت تصرفه ليشكِّل مع الجيش قوة عسكرية تفرض على المنتفضين الاستسلام للأمر الواقع مثلما هو حاصل في إيران التي تخضع لقمع الباسيج والحرس الثوري.