يعاني موظفو الحراسات الأمنية الخاصة «السيكورتي» ظروفاً حياتية صعبة، رغم ما يقدمونه للبلد وللمجتمع من أعمال مهمة ويوفرون لمقدراته الصون والحماية. موظفون محاصرون بين ضغوط العمل ومخاطره وبين تدني أجورهم.. يحرسون منشآت وثروات ورواتبهم تعتبر «فتات» مقارنة بالمهام والأعمال التي يقومون بها يوميا، إلى جانب فقدان الاستقرار والأمان الوظيفي الذي يحلم به أي موظف، وهو ما لم تنكره الجهات المشغلة لهؤلاء الحراس، واعترفوا صراحة أن وضع موظفي الحراسات الأمنية في السعودية لا «يليق» ولا يتناسب مع الوضع الراهن. يقفون لساعات طويلة أمام بوابات المنشآت التي يحرسونها وقد بدت علامات التعب والشقاء واضحة على محياهم وبنية أجسادهم وملابسهم، كما وقد نالت ظروف البيئة القاسية من أجسادهم فكم من سلخت وجه حرارة الشمس الحارقة أو فك عظمه البرد القارص. ليس هذا فقط بل يضاف إلى متاعب العمل ومخاطره مصادرة الكثير من حقوقهم بسبب العقود الجائرة وغير المنصفة التي تحرمهم من أية مزايا أو بدلات أو مكافآت استثنائية تضاف على رواتبهم تقديراً لجهودهم في عملهم. يقول أحدهم «لا يلجأ لهذه الوظائف سوى من أغلقت في وجهه أبواب الحصول على أي فرصة وظيفية أفضل بسبب الحاجة وهروباً من كلمة عاطل» وهذا قد يكون مبررا على انعدام استمرار العاملين في هذه الوظائف وأن التسرب هو الصفة السائدة وأمر لابد منه. ويصف آخر طبيعة عمله في الحراسات الأمنية ب «قمة الشقاء»، حيث يقول: «أعمل منذ أكثر من 3 سنوات حارس أمن في أحد المجمعات التجارية ولدي دورة تدريبية في مجال الحاسب الآلي ومع هذا راتبي لا يتجاوز 3500 ريال شهريا»، «لا أعرف ما الذي يستطيع مثل هذا الراتب أن يسده من احتياجات وأنا مسؤول عن أسرة!».. وليس هناك خيار آخر إلا بالحصول بدعم هذه الوظائف ووضع تنظيم مؤسساتي لها وزيادة في الرواتب سواءً من خلال علاوات سنوية أو بدلات أو من خلال دعم الموارد البشرية لتتحقق فرص عيش كريم لهؤلاء الموظفين. الشاب حمود المطيري (30 عاما) حارس أمن في أحد المجمعات التجارية، وغيره من حراس الأمن يشتكون كثيرا من ساعات العمل الطويلة فهو يعول أسرة مكونة من 4 أشخاص لكنه يظل طول الوقت محروما من الجو الأسري والجلوس مع عائلته فهو لا يراهم جميعا إلا يوما واحدا في الأسبوع، إذ إنه طوال أيام الأسبوع يأتي إلى منزله ويغادره وصغاره نيام. سلمان السويدي أيضا شاب يعمل في مجال الحراسات الأمنية، يقول: إنه قد مضى على عمله في حراسة المجمع التجاري أكثر من ثلاث سنوات بعدما ترك العمل في أحد القطاعات الحكومية بسبب ظروف خاصة، وأن أجره لا يتعدى ال 3600 ريال شهريا ولا يكاد يكفيه الأسبوع الأول من كل شهر، ويتطلع السويدي وغيره من حراس الأمن زملاءه بأن يكون هناك استقرار وظيفي لرجل الحراسات الأمنية الخاصة على اعتبار أن عملهم لا يقل أهمية عن عمل رجل الأمن في القطاع العسكري، خاصة وأنهم يحرسون مواقع مهمة ويقدمون تضحيات كبيرة في سبيل عملهم، وأن يقدم لهم دعم من الموارد البشرية لزيادة رواتبنا. البعض من رجال الأمن في الحراسات الخاصة يرون أن مشكلتهم «متشعبة» وليست مع جهة معينة، وإن كانت أغلبها مع الشركة المشغلة لهم والتي دائما ما تهضم حقوقهم وتلزمهم بساعات عمل طويلة دون حوافز وفي بعض الأحيان تماطل في تنفيذ التزاماتها تجاه الموظفين من تسجيل في التأمينات الاجتماعية وكذلك غياب التأمين الطبي، ولا تهتم في تدريبهم على مهام عملهم.في المقابل اعترف مشغلو حراس الأمن والقائمون على مؤسساتها بأهمية إعادة النظر في نظام الحراسات الأمنية المدنية وإعادة صياغته بما يتناسب مع مستجدات الوضع الراهن، مع وجوب شمول النظام على الحد الأدنى لأجر حارس الأمن بأن لا يقل عن 4500 ريال، ويكون هناك سلما وظيفيا وعلاوة في الراتب للموظفين، ووضع حد لكثرة الترخيص لشركات الحراسات الأمنية في سوق أصبحت متشبعة بكثرة المؤسسات والتي تجاوزت ال 300 ترخيص. وطالبوا بإلغاء الرسوم السنوية المفوضة على تراخيص الحراسات الأمنية، والسماح له بإنشاء معاهد تدريب لحراس الأمن وفقا لحقائب تدريبية معتمدة من المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني، إلى جانب فرض أو اعتماد عقد موحد لتنفيذ خدمة الأمن ملزم بين مقدم الخدمة وطالبها. خالد المالكي مدير العلاقات العامة في إحدى مؤسسات الحراسات الأمنية الخاصة، يرى أن انخفاض رواتب وأجور وظائف حراس الأمن سببه تدني قيمة العقود نتيجة نظام المناقصات الحكومية، كما أن القطاع الخاص أيضا يعتمد على السعر الأقل لإرساء مشاريعه دون النظر إلى جودة الخدمة المقدمة. مؤكد على أهمية إعادة النظر في نظام المناقصات والمنافسات وأن يستثني هذا القطاع بالذات لأنه يعتمد في عمله كليا على العنصر البشري مما يستوجب دفع رواتب محفزة فضلا عن كونه القطاع الوحيد في منظومة القطاع الخاص الذي تم إلزامه بنسبة سعودة 100 %. وفي ذات السياق يؤكد وليد إبراهيم الشيتي مدير مشروع أمن في إحدى المؤسسات المحلية، أن رفض الشباب السعودي العمل بوظيفة «حارس أمن» ليس بسبب قلة الرواتب والأجور فقط، وإنما أيضا بسبب عدم وجود أي حقوق وظيفية له مثل التأمين الطبي، بدل السكن، بدل المواصلات وغيرها، على الرغم من أن هذه الحقوق مكتوبة في العقد لكن الكثير من الشركات الأمنية لا تلتزم بها إطلاقا. وأرجع الشيتي أسباب تردي رواتب السعوديين في الحراسات الأمنية إلى نظام المناقصات وهو مرتبط بشكل أساسي برواتب موظفي الحراسات الأمنية الخاصة، حيث تمنح الأولوية للسعر الأقل دون مراعاة لمبدأ الجودة في العروض المقدمة، مما ينعكس سلباً على أجور ورواتب حراس الأمن وقد يمتد ذلك على جودة تقديم الخدمة «فلم يعد هناك تنافس بين هذه الشركات لتقديم خدمات في المستوى بقدر ما أصبح انشغالاتها تتركز على كيفية الحصول على موظفين برواتب متدنية». وهو ما يفرض أهمية مراجعة نظام المناقصات والمنافسات الحكومية واستثناء قطاع الحراسات الأمنية من تطبيق بند السعر الأقل كمبدأ أساسي في ترسية المناقصة، وأن يتم إعطاء الشركات الملتزمة بنسبة السعودة ولديها ما يثبت ذلك من الجهات الرسمية معاملة تفضيلية، وأن يتم مراعاة الجودة وليس التركيز على السعر الأقل.