قال الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عن علاقته بالفقيد عبدالله العثيمين: عندما أعود لجذور المعرفة التي جمعتني بالراحل، وهي قد تسبق زمالة أغلب من عاصر عبدالله الصالح العثيمين في جامعة الملك سعود أو في اسكتلندا، أجدها تعود إلى صفوف المدرسة العزيزية الأولى في عنيزة التي ضمتنا معاً قبل ستين عاماً ونيف مع اختلاف بسيط في فصولنا، وأشعر أن تلك الأسبقية تفرض علي واجباً إضافيّاً للمشاركة في هذه الندوة الأخوية الصافية وأضاف الشبيلي: في تلك السنوات، ظللت مدرستنا أبوة مربيين عظيمين بقي اسمهما ورسمهما يتوّج تاريخ التربية والتعليم في المدينة، وهما الأستاذان صالح بن ناصر الصالح وشقيقه عبدالمحسن ومعهما في مجتمع المدارس الرائدة عبدالعزيز الدامغ وحمد الشريّف وعلي السيوفي ومحمد الخليفي وسليمان الشبل ومحمد المطوع وعبدالله العلي اليحيى وعبدالرحمن البطحي، رحمهم الله، وجمعتنا تلك الحقبة أيضاً، بنماذج عديدة من المدرسين، من بينهم على سبيل المثال أساتذة كبار كنا منذ تلك الأيام نستشعر بوادر الوطنية والإخلاص في نبرات تنظيمهم وإسهاماتهم التعليمية، وهم على سبيل- المثال - عبدالرحمن الصالح العليّان وعبدالله العرفج وعبدالله العلي النعيم قادة الحركة التعليمية فيها وتبني مشروعات إنهاضها الثقافي والتنموي والتعليمي، فكان من مبادراتهم أن سبقوا تحت أضواء مصابيح الكيروسين (الأتاريك) بإقامة النادي الأدبي 1952م الذي كان مُشعل النبوغ الفكري ومُؤجج الشعور الوطني عند الشعراء بخاصة. ومضى الشبيلي في حديثه خلال الندوة (التأبينية) لعبدالله العثيمين – رحمه الله – في «خميسية الجاسر، قائلا: في أحد منعطفات سوق المدينة المكتظ بالبيع والشراء حتى وقت الغروب، كنّا نلحظ فتى في ريعان الشباب يخرج من منزله يخترق جموع الناس يتردّد على الجامع الكبير، ليتابع حلقات الشيخ عبدالرحمن السعدي بانتظام جنباً إلى جنب مع أقرانه من طلبة العلم من كل الأنحاء المحيطة بالبلدة، وهكذا قدّر لشقيقه الشيخ محمد بن عثيمين أن يحل محل الشيخ ابن سعدي في إمامة الجامع والتدريس فيه بعد وفاته عام 1376ه وكنا كثيراً ما نحضردروسهم قبيل العصر، ونشهد كاتب الشيخ السعدي، الشاب عبدالله السليمان السلمان ذَا الخط الجميل، يجول في حركة وابتسامة دائمتين، يوزع وقته بين ملازمة الشيخ ابن سعدي وأداء واجباته التعليمية. ووصف الشبيلي تلك الحقبة الزمنية بقوله: في تلك الأجواء، عاش معظم أبناء جيله ممن لم تجتذبهم الهجرة أو النزوح، بين منشغل بالدراسة أو بالتجارة أو بالزراعة والحرف المختلفة، وكان مثل كثير من الشباب المتفتّح القارئ - يتنازعه شعور غامر من الحزن مماتعانيه الأمة من الظلم المتمثل في اغتصاب فلسطين واحتلال الفرنسيين للجزائر وبوادرمشكلة البريمي والعدوان الثلاثي على مصر، وهو ما جعل الشعراء الشباب ينخرطون في نظم قصائد ثورية تضاهي ما كان يقوله شعراء فلسطين والجزائر والعراق ومصر وبلاد الشام وغيرها. ومضى الشبيلي قائلا: مرّ العثيمين في مسيرة حياته التعليمية بتحوّلات عدة، من بينها التردد في اختيار مساره التعليمي الذي يستهويه أو الانخراط في مهنة والده وأعمامه (البيع والشراء) ومنها الفصل من المعهد العلمي لنشاطه الفكري ، ثم من الجامعة بسبب مقال انتقد فيه مناهجها، وقد تغلّب على تلك الظروف بعزيمته، ومن المفارقات أنه أصبح عضواً في لجنة إصلاح المناهج في وزارة المعارف، وإن لم يتمكن فيها من إفراغ كل ملحوظاته عليها، توجد الإشارة إلى هذه التحوّلات وغيرها فيما كتب عنه من مقالات أو مراثي، إلا أنه في حدود ما أعلم، لم يخلّف سيرة مطبوعة. وأشار الشبيلي في حديثه عن جوانب من حياة العثيمين بقوله: بالرغم من تلك المنغصات، يُرى أبا صالح مبتهجاً دائماً، قريباً من ربه، باراً بوالديه، سعيداً بحياة أسرية مستقرة مع ابنة عمه، ينشرح صدره لمفاتن مدينته، ويطرب لكلمة إطراء فيها، أو لسماع مقطع من سامريتها.. مختتما حديثه في الندوة قائلا: قصدت من تلك المقدمة إعطاء مدخلٍ يصوّر أجواء طفولته، وبيئة نشأته، ونشأة جيله من الشعراء عبدالله الجلهم، ومحمد الفهد العيسى، وعبدالله الحمد القرعاوي، ومقبل العيسى، وعبدالله الحمد السناني، وصالح الأحمد العثيمين، وإبراهيم الدامغ، وعبدالعزيز المسلّم، ومحمد السليمان الشبل، وإبراهيم العبدالله التركي، وسليمان العبدالعزيز الشريّف.