ليست البدايات الجميلة في الأعمال الأدبية هي ما تمنحنا عملاً ممتعاً وساحراً ولكن النهايات أيضاً، هي ما تضع البصمة النهائية على العمل، نهاية العمل الأدبي الناجحة هي جزء من نجاح وجود الحبكة في الرواية، وهذا يعني أن الكاتب مطالب بأن يقيم التوازن بين الحدث أو مجموعة الأحداث في الرواية، وبين صراع الأفكار والشخوص فيه، لأن من شأن الارتباط بين مجموعة الأحداث وصراع الشخوص في حياتهم من خلال الرواية من شأنها أن تؤثر وتطور هذه الأمور، إلى أن تصل هذه الصراعات إلى ما يُسمى الذروة، ومن ثم تهبط نزولاً إلى ما يُسمى بالنهاية، والتي تُسمى نقطة التنوير. وعندما تكون النهاية مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالأحداث والأفكار والأشخاص وصراعهم فإن من شأن ذلك أن يقنع القارئ بأن هذه الرواية يمكن أن تحدث أو هي حدثت بالفعل، إن الروائي الخلاّق مدرك تماماً أن النهايات «بدايات» لحياة جديدة ولو كانت حزينة، فالحياة لا تحمل لنا النهايات السعيدة دائماً، ولذلك تخضع النهايات لعدّة عوامل، العصر والحالة الاجتماعية لذلك المجتمع، وخيال الكاتب، أيضاً يجب أن تكون النهاية هي مصير طبيعي وتنازلي لشخصيات الرواية ونتيجة حتمية لأفكارهم وصراعاتهم، لذلك تنبّهت الروائية الإنجليزية جورج إليوت إلى النهايات، وقالت: (إن النهايات هي النقطة الأضعف، لدى معظم المؤلفين). في الحقيقة هناك نوعان من النصوص الروائية التي نواجهها عند قراءتنا للأعمال، نوع نسميه النص المفتوح، ونوع نسميه النص المغلق، المفتوح لا يضع نهاية تختم بها الأحداث إلا وتصلح لأن تكون بداية لأحداث أخرى، على اعتبار أن هذه بداية، وهذا برأيي أجمل وأكثر إبداعاً. إن النهاية تبين رهافة المبدع وحساسيته، وذكاءه، وقدرته على أن لا يقدم معنى كاملاً بقدر ما يدفع القارئ لكي يطرح أسئلته هو، ويقترح تصوراته ويأخذ في التأمل، وكأنه ينظر إلى البحر أو السماء. والنهاية في الروايات التقليدية إما سعيدة (زواج، عودة مظفرة، اعتقال القاتل، العثور على الكنز)، أو مأساوية ( فشل البطل، موت البطل، فقدان الحبيب).. فبعض القراء يفضِّلون النهايات السعيدة التي تملؤهم بالتفاؤل في الحياة، وبعضهم الآخر يفضِّل النهايات المأساوية التي تحفر شاهداً في صدورهم لا يُنسى. لكن كتّاب الرواية العربية الجديدة، وبدافع التجريب والتغيير، حاولوا التخلُّص من حبكة الرواية التقليدية (بداية، وعقدة، وحل)، وتجريب أبنية رواية مختلفة، مثل البناء الدائري أو المتقطِّع، حيث حوّلوا الخاتمة من النهاية - الحلّ إلى النهاية المفتوحة، مؤمنين بأن الرواية مجرَّد صفحة من كتاب الحياة. فالنهايات المفتوحة تترك للقارئ مهمة الحكم عليها يساعده في هذا نهايات غير مكتملة من شأنها تحفيز المخيلة ودفع القارئ وعلى الأخص في لحظات النهايات كي يكون منتجاً نشطاً وفاعلاً. ومع هذه المجموعة ندرك أن النهايات لا تقل أهمية عن الافتتاحيات في تشكيل بنية النص الإبداعي. صارت النهايات المفتوحة حلاً مثالياً لتسلية الوحدة، ملاذاً أرجوه وأحلم به وإليه.. ففيها لا توجد أحكام نهائية، لا شعور كاملاً بحزن ولا فرح، لا دليل يؤكد على طريق للمأساة. إن النهاية المفتوحة هي روح الرواية وضالتها.. تترك لك نفسها بمقابل واحد هو: اعثر علي بنفسك إن استطعت.. وآمنت بها لأنها، أياً كان شكلها، تظل أفضل بمراحل من النهايات المتوقعة.