خلال الخمس سنوات القادمة نتوقع أن يكون لدينا في سوق العمل على الأقل مائة ألف شاب وشابة يحملون كفاءات عالية من خريجي البعثات الخارجية. كيف سيتم التعامل معهم في برنامج التحول الاقتصادي الوطني؟. هل يسلمون بشبابهم وكفاءاتهم إلى عجائز البيروقراطية المخضرمة، وهي المشهود لها بالكفاءة المذهلة في التعطيل والتسويف والاختباء خلف شعار حسب النظام ؟. توصيف الطواقم الإدارية السعودية بعواجيز البيروقراطية لا يعني بالضرورة التقدم في السن، فبعضهم شباب ولكن فهمهم لتسيير الأعمال فهم عواجيز. العواجيز يتعاملون مع الوقت والبت في الأمور بفضيلة الصبر وربط العجلة بقلة البركة وتعجيز المراجع وإحباطه بضرورة استكمال الأوراق والتواقيع والأختام، ليس منذ المقابلة الأولى، بل بالتقسيط. كل مراجعة ينتج عنها طلب إضافي بختم أو توقيع أو تصديق أو وثيقة. الإيقاع الإداري في الدول الناجحة تنمويا ً هو التسهيل والتسريع والإكتفاء بالضروري وفورية البت. عكس ذلك هو الموجود في الدول ذوات التنميات العرجاء والمتثاقلة والمتعثرة. البيروقراطية الإدارية العجائزية تمتلك قدرات مذهلة لتحويل مسار المعاملات والمراجعات إلى دهاليز متعرجة ولولبية وضعيفة الإضاءة. في مثل هذه الدهاليز تنبت طحالب الواسطة والرشوة والتكسب الإضافي أثناء ساعات العمل بممارسة أعمال خاصة تسرق ساعاتها من ساعات العمل، وغير ذلك كثير. بقدر ما تكون هذه الممارسات مفيدة للبيروقراطي تصبح مصيبة كبرى من مصائب التنمية والفساد. البيروقراطية الإدارية العجائزية لها أيضا ً قدرة خرافية على نقل جيناتها إلى الموظفين الشباب المستجدين. هؤلاء ليس أمامهم طريق آخر سوى التتلمذ كمرؤوسين تحت إشراف رئيس بيروقراطي عجوز. في الشهور الأولى يكتفي الرئيس العجوز بإهمال هذا الشاب المتحمس ليطقطق أصابعه ويقرأ الجريدة، ثم يبدأ بإرساله ببعض الأوراق إلى زميله العجوز الآخر في الطابق الآخر. بعد مرحلة الإستمزاج من الطرف الأكبر وانطحان الحب في الرأس الأصغر يبدأ التدريب على طريقة التعامل المناسبة لترويض المراجعين وتبريد حماسهم وكسر أنوفهم. ماهي إلا سنة أو سنتين ويصبح الموظف الصغير سلالة إدارية جديدة تحمل نفس المواصفات الجينية القديمة. هذا الذي يحدث في جميع الدوائر الحكومية صورة طبق الأصل مما يحدث للمدرس الجديد عند التحاقه بالطابق التعليمي في إحدى المدارس. الزملاء العواجير يعجنونه ويخبزونه إلى أن يصبح مستساغا ً للإنظمام للبيروقراطية التلقينية عن ظهر قلب. في وزارة الصحة والزراعة والمواصلات والمالية وسم ما شئت من الوزارات والمؤسسات، وحتى في كتابات العدل والمحاكم يطبق نفس المنهج والاستلام والقولبه. إقفال الأبواب في وجوه المراجعين لتناول الإفطار واحدة من الممارسات البيروقراطية. الآن نحن موعودون ببرنامج تحول اقتصادي وطني واسع الآفاق وكبير الطموحات، ومن أهم اهتماماته توسيع سوق العمل وجعله أكثر ديناميكية واستيعابا ً وإنتاجية. في نفس زمن التطبيق لهذا البرنامج نحن موعودون أيضا ً بعشرات الألوف من الكفاءات الوطنية العائدة إلى الديار. سوف يتحول الطموح، سواء ً في البرنامج الوطني أو في طموح الشباب العائد إلى عملية تعطيل إداري وإنتاجي إن استمر عواجيز البيروقراطية الإدارية في مراكز الاستلام والقولبة والتطبيق. من يريد الحرث الاقتصادي لزرع بذور جديدة، عليه أن يقلب التربة الإدارية جيدا ً ويبعد الطحالب والفطريات ويستنبت البذور الجديدة التي لم تقولبها البيروقراطية بعد.