قبل ست سنوات تقريباً غضب الأدباء والمثقفون من تصريحات وكيل وزارة الثقافة للشؤون الثقافية الأسبق حول عدم قدرتهم الإدارية وعجزهم عن تسيير دفة العمل في مؤسساتهم. شن بعضهم حملة مضادة، وتعاطف معهم كثيرون لكن الأيام تثبت أنه بعيد نظر و«أكثر دراية» بمفاصل الخلل، وليس الأدباء وحدهم غير قادرين على إدارة هذه المؤسسات بل وكالة الوزارة وإدارة الأندية الأدبية التي لا تكف عن صياغة اللوائح والأنظمة دون تقنين معياري أو ضبط قانوني تستدعيه هذه الأعمال. وكالة الوزارة أصدرت خلال خمس سنوات ثلاث لوائح للأندية الأدبية، وأشغلت الساحة، واستعانت بعشرات الأدباء والأكاديميين لصياغتها، وللأسف تأتي كل لائحة أسوأ من الأخرى وأكثر ضبابية وغموضاً وتداخلاً كأنها قصيدة شعر أنتجها شاعر هاوٍ تقوم على المجاز وتقبل كثيراً من الاحتمالات وتعجز عن قول معنى أو «رسالة» يتفق عليها. الوزارة تقول دائماً إن الأندية مؤسسات «ذات شخصية اعتبارية مستقلة»، وهذا يدخلها إلى مفاهيم المجتمع المدني و»اتحادات الكتّاب» لكنها في اللحظة نفسها تضيّق عليها الإطار والوصاية حتى نظنها أقساماً صغيرة في أروقة الوزارة. ما صدر قبل أيام تحت مسمى «لائحة الأندية الأدبية» فتح الأبواب لخريجي اللغات وآدابها، أو من طبع كتاباً أدبياً ليدفع الرسوم ويحظى بالعضوية ببساطة ليتحول النادي إلى اتحاد خريجي كلية الآداب دون تقنين يضع مجموعة من الشروط للأعضاء العاملين تقوم على مبدأ النقاط مثلاً، كما اقترح متابعون، تشمل الإنتاج الأدبي والتفاعل مع الساحة والنشر في الوسائط المعرفية والإعلامية، أو الحصول على التزكيات من المثقفين الأسبق في المجال، والغريب إن طباعة كتاب تتطلب لجنة ومحكّمين ومراجعين وهي عملية أكثر دقة وصعوبة من اختيار عضو عامل قد يهيمن على قيادة النادي عدة سنوات ويجره إلى الهاوية بدعم لائحة ضبابية فتحت الأبواب كما تفعل قصيدة أو خاطرة ظنها البعض بريئة وأنيقة. لم تُذكر «اللائحة» الفنون الأدبية التي سيرعاها النادي، واستخدمت ثلاثة مصطلحات دون تقنين أو توصيف فمرة تشير إلى «الأندية الأدبية» وتارة أخرى تقول إنها قطاعات «تعنى بالثقافة» ومرة ثالثة تقول إنها ستطبع «الأعمال الإبداعية» وفي كل ذلك متسع فضفاض يؤدي حتماً إلى امتداد التداخل بين المراكز الثقافية الجديدة وجمعيات الثقافة والفنون وهيئة السياحة والآثار وقطاعات أخرى. اللائحة الجديدة عودة واضحة إلى الخلف أو إنها بوابة متجددة لإعادة التعيين إلى أروقة الأندية؛ وأظنه أنسب من تطبيق لائحة بهذا الشكل ستصنع مزيداً من اللغط والصراعات وترسم صورة أكثر سوءاً للمؤسسة الثقافية والمثقفين معاً. الأندية الأدبية التي تقول «اللائحة» إنها مستقلة تشرف عليها الوزارة، وللوزير صلاحية تفسير اللائحة وتعديلها، وإذا طرأ أمر لم تنص عليه اللائحة يكون للوزير صلاحية اتخاذ القرار المناسب بشأنه، والعضو العامل يجب أن يكون لديه كتاب على الأقل أجازته رقابة الوزارة، والوزارة نفسها تقدم الدعم للأندية كل عام، ولجنة الفرز في الانتخابات لا يلزمها تعليل أسباب عدم قبول الترشيح لمجلس الإدارة، والتصويت «ورقي أو إلكتروني» حسب ما تقرره لجنة الإشراف على الانتخابات، والتصويت سري لاختيار أعضاء مجلس الإدارة، ولا يعد المجلس نظامياً إلا بعد اعتماد الوزير، ولا يحق للأندية المشاركة الخارجية إلا بموافقة الوزارة، ومحاضر اجتماع مجلس الإدارة ترفع ليقرها الوزير!! أما العضو المشارك فله حضور الجمعية العمومية دون حق التصويت على قراراتها، وهو نفسه في موقع آخر من اللائحة يشرف على ما يرسمه مجلس الإدارة ويراقب تطبيق اللوائح! هذه عينة بسيطة من تداخلات اللائحة وضبابيتها، والمضي في تطبيقها سيقود إلى صراعات محتملة يعلن معها وبها الفصل الأخير من عمر الأندية مالم تتداركها الوزارة بلائحة حقيقية، أو بتعيين مجالس الإدارة.