ينجز الأديب خالد اليوسف سنوياً «ببليوجرافية النشر الأدبي في المملكة»، يكشف خلالها قوائم الإصدارات، وأكثر الأشخاص والجهات نشراً، والفنون التي تسيّدت المشهد، والجهات التي شاركت في عمليات نشر الكتاب السعودي وصناعته داخلياً وخارجياً. هذا الإنجاز ليس سهلاً، ويعرف معاناة إعداده ومتابعته المشتغلون في حقل المكتبات والمعلومات، والأستاذ اليوسف يسير على درب أستاذه العريق يحيى محمود بن جنيد شيخ المكتبيين والببليوجرافيين في المملكة، ولهما فضل كبير على الساحة الثقافية والباحثين، لكن الاعتراف بذلك قليل ونادر، بكل أسف! ينبغي في البدء القول إن هذه القوائم لا تعد نهائية أو شاملة لأن النقص يعتورها إن لم تتآزر جهات أخرى مع الجهد الفردي مثل إدارة المطبوعات في وزارة الثقافة وقسم الإيداع والتسجيل بالمكتبة الوطنية. في كل عام تتغير المعطيات والأرقام والملامح، وفي كل عام تستمر الإشارة إلى مكامن خلل ينمو ويزداد بلا تأمل أو مراجعة أو عقد حلقات درس أو ندوات عامة تحلل الأسباب والظروف والنتائج؛ وهي في مجملها لا تخدم الساحة الثقافية، ولا تعكس مستوى الخبرات والمؤسسات والطاقات الثقافية والأدبية المنتشرة في كافة أرجاء البلاد. قوائم عام 2015 التي أتاحها اليوسف أخيراً تؤكد هجرة الكتاب السعودي إلى أحضان الناشر الخارجي بعد فشل المؤسسات الثقافية في الداخل وضعف قدرتها على تقديم كتاب يراعي معايير صناعة النشر وأصولها التي تعد جزءاً أصيلاً من المشهد الثقافي العام الذي تعتز به الدول، وتدعمه، وتسعى حثيثة لتغييب معوقاته والانتصار عليها. فشلت الأندية الأدبية في جوانب كثيرة رغم الدعم الذي حظيت به وأهدرت مالاً كثيراً في أعمال لم تفكر فيها جيداً دون رقابة من الوزارة أو الجمعيات العمومية. استحوذ دارا نشر في الخارج على أكثر من مئة كتاب من إصدارات الأندية تحت ما يسمى بالنشر المشترك، تدفع فيه الأندية التكاليف ثم تستلم عدة نسخ للحفاظ على «تقاليد المستودع» ويسوّق الناشرون الخارجيون الكتاب في معارض الكتب ومنافذ البيع، أو هكذا يقال لمن يسأل عن «المسرحية» ودواعي اللجوء إليها. في معرض الكتاب الأخير بجدة كان الناشرون يبيعون بعض إصدارات الأندية بأثمان مبالغ فيها تتنافى مع سياسة وزارة الثقافة واستراتيجية التنمية الثقافية التي أعلنتها الوزارة عام 1431ه، وكثير من هذه الإصدارات ضعيف لا تبذل الأندية جهداً لمراجعته وتحكيمه ولا تعرف طرق البحث الجاد عن المبدعين والمثقفين لأننا نرى شهرياً كتباً رائعة يصدرها أفراد على حسابهم الخاص بعيداً عن أروقة الأندية و»دهاليزها»، وفي «الفضاء الرقمي» كتاب شباب مدهشون لم نسمع عن ناد فتح أمامهم أبوابه العتيقة أو مدّ إليهم يد العون الثقافي فالفجوة تتزايد يومياً!. أمام التهاني والتبريكات التي اتجهت إلى دور النشر الخارجية لقاء صيدها كان الأديب عمر الفوزان من نادي حائل الأدبي يشير بجرأة وصدق إلى أن أحد تلك الدور استحوذ على 60 إصداراً لنادي حائل، ولم يحترم مواثيقه، ولم يراع الالتزام «الثقافي» و»القانوني» بين الطرفين، وبدا البعض غير مسرور بما يقال، لأننا تعودنا على عدم المكاشفة، والإمعان في هدر المال، والعبث بالأهداف رغم قدرتنا على العمل الجاد والعصري والمنافسة باحتراف أيضاً، ولنا في تجربة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ودارة الملك عبد العزيز ومكتبة الملك عبد العزيز العامة شواهد لكن الأندية الأدبية تصرُّ على قلب المقاييس.. وليتها منحت هذه الكتب للناشرين السعوديين المحترفين مثل «المريخ» أو «جداول» أو «جرير» وليتها قبل كل هذا تنتصر لأدبيات الاختيار والجودة فيكون الإصدار نوعياً يبحث عنه القارئ ويبقى في الذاكرة.