الديون التي كبلت الأندية اليوم، وربما تحرمها الحركة في الغد، كشفت أنها عملت طوال السنوات السابقة من أجل نتائج وقتية أو انتصارات وهمية أو بحثاً عن بريق فلاشات لا يلبث أن يزول أثره عندما تظهر شمس الحقيقة!! والديون التي تحاصر الأندية إحاطة السوار بالمعصم، جاءت لتكشف حجم الفوضى التي تدار بها معظم الأندية، وأن كل ما يقال عن الموازنات والميزانيات وبراءة الذمة والاستثمارات لا يعدو كونه مجرد حبر على ورق، واستهلاكاً للاستهلاك وتشجيعاً لثقافة أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب. توجه الأندية إلى الاقتراض من البنوك رغم ما يساق له من مبررات، كارثة جديدة في طريق الأندية التي تنتظر التخصيص، تكشف أن بينها وبينه أمداً بعيداً وأن الوعود والأماني شيء وأن الواقع المر شيء آخر مختلف تماماً. لقد كان المطلعون يعرفون أن الأندية ليست على ما يرام لا من النواحي المالية ولا من نواحي الإدارة المالية وحذروا من ذلك، وقالوا إن طريقة الصرف الحالية ستكون وبالاً على الأندية في المستقبل، وها هو المستقبل يصبح حاضراً، وها هي الديون تحضر كنتيجة حتمية توقعها البعض للإدارة المالية في الأندية. الديون في العمل المؤسسي أمر لا مفر منه في بعض الأحيان إذا كانت من أجل تطوير العمل وتسريع وتيرته ورفع حجم الاستثمارات فيه أو استقطاب أسماء جديدة تعزز قيمته، مع ضمان وجود إيرادات تكون قادرة على الوفاء بالدين والفوائد المترتبة عليه، لكن عندما تكون الديون لمعالجة الديون والاقتراض من أجل سداد التزامات أخرى فهذا لا يعني سوى المزيد الصرف والخسائر التي لا أظن أن الأندية بأسلوب العمل الحالي فيها قادرة على مواجهته، خاصة مع تعاظم حجم الدين وعدم وجود إيرادات كافية لتغطيته وتغطية الالتزامات المتواصلة للأندية. الأندية ورطت أنفسها فيما لا طاقة لها به ولا قدرات كافية لمواجهته، تعاقدات ضخمة بأرقام مهولة مع أسماء عادية إن على صعيد اللاعبين أو على صعيد المدربين، ولو فتش أحدنا في الأسماء التي حصلت خلال السنوات الأخيرة على قيمة العقود الأعلى بين أقرانها لوجد أيضاً أنها صاحبة المردود الأقل على المعشب الأخضر، والأكثر حصولاً على السخط الجماهيري في المدرج!! هي في الغالب تعاقدات لم تأخذ الاعتبارات الفنية ولا حاجات الفريق الأساسية، بل تقاطعت فيها مصالح ولعبة سماسرة وسوء تدبير وتقييم مع حرص واضح على كسب صوت المشجع العادي الذي يصفق بذهول لما يجهل أنه ورطة ناديه في الغد. ثم ماذا: هذه قوائم الأندية وما دفعته للاعبيها معروفة للجميع: فهل حقق لاعبو الملايين والسبب الرئيس في ارتفاع فاتورة الصرف الشهرية المردود الفني المطلوب منهم؟ هل حقق الإضافة الفنية المختلفة، هل ساهم في تنمية موارد النادي؟ وهل يمكن للنادي في النهاية الاستثمار في عقد اللاعب وتسويقه؟ للأسف إن الإجابة في الغالب ستكون لا، والأدهى والأمر أن بعض لاعبي العقود الضخمة لا يمكن أن يجدوا لهم مكاناً في أندية أخرى. في اعتقادي أن الديون لن تكون حلاً لمشكلات الأندية، بل هي هروب للأمام فقط!! حتى وإن حاولت تمييع الأمر وتسهيله والبحث عن مبررات له كتصرف سريع لتنفيذ التسويات المالية للمشكلات القائمة، وعدم التورط في الغرامات المالية التي تضمنها عقود عدد من اللاعبين والمدربين في حال تأخر الدفعات، أو للتخلص من مستحقات حال موعدها، أو من أجل تطوير الاستثمار في الأندية!! السؤال هنا: أين هي الاستثمارات وأين عقودها ومردودها؟ وأين الداعمون الذين وعدوا الأندية بسداد ديون الأندية والوقوف معها في الضراء قبل السراء؟ وأين الإدارات السابقة من التصدي لمشكلات كانت هي أحد أهم أسباب وقوع الأندية في ورطتها. أعتقد أن جميع الإجابات واضحة.. ومكررة، خاصة في ظل غياب العمل المؤسسي الحقيقي في الأندية واستمرار الجهود الفردية التي تزيد عثراتها مع الزمن، والجهود التي قد تضع حلولاً براقة اليوم، غير أنها تضع العتمة في نهاية الطريق الذي تسلكه الأندية بحثاً عن منجزاتها. ديون الأندية هي حديث الشارع الرياضي، وهناك من يتخوف في هذا الجانب أن تكون الديون ديوناً ربوية تخالف الشريعة الإسلامية السمحة، وتؤدي إلى محق العمل وغياب بركته، والله حذر من الربا في غير موضع من القرآن الكريم، وديون الأندية لن تتوقف آثارها على العمل الحالي في الأندية بل ربما امتدت حتى تمنع المؤهلين من العمل فيها لأن أحدهم ليس مستعداً لمعالجة أخطاء غيره، والدخول في مشكلات لاحقه تسببت بها الإداري السلف، إلا إذا التزمت الرئاسة بعدم استلام النادي من رئيس وتسليمه إلى آخر إلا بعد سداد المديونيات كافة التي تسبب بها أو وجود مركز مالي قوي للنادي وإجراءات تضمن السداد وتطوير العمل في المستقبل. عندما نتحدث عن ديون الأندية لا بد أن نتساءل: لماذا تقع أندية جماهيرية لها قيمتها ومدرجها في الشارع الرياضي في الديون، وإذا كان هذا حالها فماذا عن أندية أخرى أقل جماهيرية وبالتالي أقل جذباً للمعلن والمستثمر؟ وماذا في ملفات هذه الأندية، وهل هناك بالون آخر يستعد للانفجار ليكشف حال أنديتنا التي تلزم نفسها ما لا يلزم في غالب الأحوال؟ توشك الخصخصة أن تحط رحالها في الأندية السعودية، لكن مستثمراً يسعى للاستثمار فيها ربما يتراجع عندما يعرف حجم مديونياتها، والمؤكد أيضاً أن القيمة السوقية لأي ناد ستنخفض بمقدار زيادة الديون فيه.. والمؤكد أيضاً أن أنديتنا مقبلة على مصاعب جمة لا يمكن لأحد أن يتصور كيف سيكون تعاملها معها.