انتقل إلى رحمة الله تعالى الشيخ محمد بن أحمد الصانع عن عمر يناهز الخامسة والثمانين، ذلك الرجل الكريم المعروف بالسماحة ودماثة الأخلاق صاحب العلاقات الواسعة في أنحاء هذه البلاد. لقد كان - تغمّده الله برحمته - محباً للفقراء والمساكين، فكان لديه قوائم بأسماء الكثير من الأفراد والأسر المحتاجة، يسدد أجور المساكن للبعض منهم ويسدد فواتير الكهرباء والهاتف للبعض الآخر، فضلاً عن المساعدات الأخرى التي يوزعها على المحتاجين، كما كان يعمد إلى شراء مساكن لبعض الأسر التي ضاقت بها الحال بمبالغ يجمعها من القادرين بمعرفته، ويزيد عليها من عنده، فخفف بعمله هذا معاناة العديد من الناس، إنني أذكر وكنت في الماضي عضواً في إدارة نادي الفيحاء بالمجمعة، أنه كثيراً ما كان يسكن فرق النادي ووفوده في أحد فنادقه بمدينة الرياض، لقد كانت ديوانيته في قصره والتي خصص عصر كل يوم للجلوس فيها، مقصداً للوجهاء والمثقفين والشعراء ورجال الأعمال. الشيخ محمد هو ابن الشيخ أحمد بن صالح الصانع المتوفى عام 1357ه، صاحب المدرسة الشهيرة بمدينة المجمعة والتي تعد الآن من آثارها المعتمدة لدى السياحة والآثار، تلك المدرسة التي خرّجت العلماء والقضاة ورجال الإدارة الذين تسنّموا أعلى المواقع في عهد الملك عبد العزيز والملك سعود - رحمهم الله -، ومنهم ابن عمه الشيخ عبد الله بن إبراهيم الصانع، مستشار وأمين سر مفتي الديار السعودية آنذاك سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم. وقد ألف الدكتور فهد المزعل كتاباً عن سيرته ومدرسته هذه. فالشيخ محمد سليل أسرة شريفة من أسر المجمعة القديمة، حيث جده أحمد بن ناصر الصانع، كان أميراً للمجمعة، عيّنه على إمارتها الإمام تركي بن عبد الله آل سعود - رحمه الله - عام 1244ه، وكان قبل ذلك أميناً لبيت المال سدير، ومن هذه الأسرة أمير البصرة أوائل القرن الماضي أحمد باشا الصانع، والذي يحكي لنا كبار السن من أهل المجمعة، أنه كان يرسل المؤن والأرزاق واحتياجات أخرى من البصرة بالعراق للمجمعة أيام القحط، وكان يهب القافلة بعد إفراغ حمولتها بالمجمعة للجمالين مع دفع أجرتهم، وذلك مكافأة لهم على نجاحهم في إيصالها لاضطراب الأوضاع في نجد آنذاك. ومن هذه الأسرة الأستاذ فيصل الصانع، الذي كان نائباً لرئيس مجلس الأمة بالكويت، وكذلك وزير العدل والأوقاف والشئون الإسلامية الكويتي حالياً يعقوب الصانع، ورجل الأعمال المعروف بالمنطقة الشرقية الأستاذ معن الصانع. رحم الله الشيخ محمد الصانع وأسكنه فسيح جناته، فبوفاته بعد وفاة أخيه الشيخ صالح الأحمد الصانع الذي سبقه بسنوات، يكون جميع أولاد الشيخ المعلم أحمد بن صالح الصانع قد انتقلوا إلى رحمة الله تعالى، وكم أتمنى على أولاده بهذه المناسبة أن يجعلوا له وقفاً أو عملاً خيرياً باسمه في مدينة المجمعة. والله الموفق وله الحمد أولاً وآخراً.