1 - انظر إلى العتاب الرقيق في قوله تبارك وتعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} بضمير الغيبة، تعظيمًا وإجلالًا له ولم يقل: (عبستَ وتوليتَ) بلفظ المخاطب؛ لإيهام أن من صدر عنه هذا الفعل ليس هو، والسامع لهذه الآيات للمرة الأولى لا يعلم من المقصود بها، وإن علم فليس في الأسلوب شدة أو نقمة، إنما توجيه للأحسن والأصوب، كما أن في التعبير بضمير المخاطب فى قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} الإيناس بعد الإيحاش، والإقبال بعد توهم الإعراض. 2- حلِّق مع الخلق القرآني والأدب الرباني في رحاب قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِِ}، فالنبي في هذا الموقف كان قد آثر السلامة، ونزل على رأي كثير من أصحابه، ولكن الله -تبارك وتعالى- أرشده إلى الأَولى من ذلك وهو الشدة في هذا الموقف؛ لأن هؤلاء هم صناديد الكفر وكبار أهل الضلال، فالأَولى معهم القتل والتنكيل بدلًا من العفو والصفح، خاصة والدعوة في بداياتها، وتحتاج إلى أن تظهر بمظهر القوة بين قبائل العرب، وكان هذا هدفًا لا يعدله المال، ولذا سُمي هذا اليوم بيوم الفرقان لعظمته فى تاريخ الدعوة. ولكن تأمل في روعة الخطاب الإلهي حيث عاتبه الله بقوله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ}؛ فالخطاب ليس موجهًا مباشرة إلى رسولنا ولكنَّ المعنى: (لا يحق لأي نبي مهما كان أن يكون فى هذا الموقف وعنده أئمة الكفر الذين حاربوه وأخرجوه ومكروا به وأرادوا قتله ثم يعفو عنهم). وهكذا يكون العتاب الرقيق الذي لا يوجَّه مباشرة إلى الملوم؛ حتى لا يتشاغل بالدفاع عن نفسه، وينسى في ظل الجو شديد السخونة أن يتعلم ويفهم المراد من التوجيهات السديدة، والنصائح الرشيدة، ويفهم عن اقتناع ورضا نفس أن الأولى هو فعل ما يرشد إليه العاتب. 3- قال سبحانه في معرض العتب للحبيب: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} فهل رأيتم لطفًا وذوقًا وأدبًا مثل هذا؟! وهل سمعتم بمعاتبة أحسن من تلك؟! فمن تأمل حال البشر يجد أن أغلبهم يباغت المخطئ بالتهديد ويتلقاه بالتهويل ثم يرسل النقد كسَهم قاتل مسموم، أما المولى سبحانه فقد بدأ بالعفو قبل المعاتبة! 4- يقول عز وجل: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ,فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}. فانظر لقوله سبحانه وتعالى ? فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ?ثم انظر إلى قوله تعالى: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} حتى لايتسرب إلى الذهن أن داود -عليه السلام- قليل الفهم.ثم ذكر سبحانه وتعالى بعض الفضل الذي منّ به على داود -عليه السلام- بقوله: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الِجبالَ يُسَبِّحْنَ والطَّيرَ وكُنَّا فاعِلينَ} فما أروع أن نقتدي بالنهج القرآني إذا ما أخطأ أحدهم فنقول له: (ياهذا، عهدناك ذا فهم وعقل ولعلك ابتعدت عن الصواب في تلك المسألة!).